لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس السابع من سورة الزخرف.
العقل والشهوة متناقضان فمن يتبع شهوته يضعف عقله:
مع الآية السابعة والخمسين، ولكن قبل أن نمضي في شرح هذه الآية أود أن أقف قليلاً عند قوله تعالى حينما قص علينا ربنا جل جلاله قصة فرعون، ففي نهاية القصة قال:
﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) ﴾
(سورة الزخرف)
وكأن هناك علاقة بين الفسق وبين خفة العقل، استخفهم لأنهم كانوا فاسقين، والإنسان حينما يتبع شهوته يضعف عقله، لأن إتباع الشهوة مناقض للعقل، إما أن تتحرك وفق عقلك أو أن تتحرك وفق شهوتك، وحينما توعَّد الله هذه الأمة بالهلاك وصف سبب هذا الهلاك فقال تعالى:
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)﴾
(سورة مريم )
كلمة المسلمين ليست هي العليا الآن لأنهم أخلفوا وعدهم لله:
إذا أردت أن تحلل أسباب ضعف المسلمين وهم يزيدون على ألف ومئتي مليون في العالم، إذا أردت تحليلاً قرآنياً لضعف المسلمين، وكيف أن كلمتهم ليست هي العليا، وأن الله فيما يبدو تخلّى عنهم، لا، فإنه ما أخلف وعده معهم، ولكنهم هم الذين أخلفوا وعدهم مع ربهم، قال:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)﴾
(سورة مريم)
الله أودع في الإنسان الشهوات وجعل لها قنوات نظيفة:
أما موضوع الشهوات، فما من شهوة أيها الأخوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة، شهوة النساء، وشهوة المال، وشهوة العز والعلو في الأرض، هذه الشهوات الأساسية لها قنوات، لك أن تكسب المال الحلال، ولك أن تتزوج من شئت، ولك أن ترتفع لا عن طريق إيقاع الأذى بالآخرين ولكن عن طريق نفعهم ومعرفة ربك، إذاً ما من شهوة أودعها الله عز وجل إلا وجعل لها قناة نظيفة، فإتباع الشهوات المقصود به من دون منهج الله عز وجل، والإسلام واقعي، كما أنه دين الفطرة.
﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) ﴾
(سورة الزخرف)
على الإنسان أن يحسن استخدام عقله:
والفسق في تعريفه الدقيق الخروج عن منهج الله، آلة معقدة جداً، وهناك تعليمات للصانع، فاستعمال الآلة بخلاف التعليمات فسقٌ بها، أخرجتها عن تعليمات الصانع، والإنسان حينما يحب ذاته ويحرص على مصلحته، وعلى سعادته، ويحرص أيضاً على كمال وجوده وعلى سلامة وجوده وعلى استمرار وجوده، فعليه أن يطبق تعليمات الصانع، ويحسن استخدام عقله، وهذا الإنسان حينما يستخدم عقله لحظة، الإنسان وصل إلى القمر، ووصل بمركبة يسيرها إلى المشتري، والرحلة استغرقت ست سنوات وسرعة هذه المركبة تزيد عن أربعين ألف كيلو متراً في الساعة، وصل إلى الفضاء وغاص في أعماق البحار، إذ وصل إلى أعمق نقطة في المحيط الهادي وهي خليج مريانا، كما توصل إلى نقل الصورة عبر الأقمار الصناعية ونقل الأوامر عن طريق أجهزة حديثة جداً، ومن بعد ؛ فكأن الله سبحانه وتعالى يعاتب عباده الضالين يوم القيامة، ويقول: لو أنكم استعملتم عقولكم بنسبة واحد من المليون لعرفتموني، ها أنتم قد فعلتم ما فعلتم، ووصلتم إلى ما وصلتم، واخترعتم ما اخترعتم، ويسرتم لحياتكم السبل وقربتم المسافات، واخترعتم المركبات، وقذفتم بأنفسكم في البحار، ووصلتم إلى أطباق السماء، لو أنكم استخدمتم هذا العقل الذي أودعته فيكم أدنى نسبة لعرفتموني، لذلك:
﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) ﴾
(سورة الزخرف)
خُلِق العقل ليكون أداة لمعرفة الله فهو أصل الدين:
أيها الأخوة ما من عطاء على وجه الإطلاق يفوق هذا العقل الذي ميز الله به الإنسان على بقية المخلوقات، وهذا العقل إنما خلقه الله من أجل أن تتعرف إليه به، معظم الناس يستخدمون عقولهم لغير ما خلقت له، خلق العقل من أجل أن يكون أداة لمعرفة الله، فاستخدم الإنسان العقل للوصول إلى مآربه الخسيسة، ولجمع الأموال بأساليب غير مشروعة، لذلك فإن العقل كما أنه عطاء كبير، فهو في الحقيقة وبال كبير، فيما لو لم يستخدم وفق منهج الله عز وجل.
آية دقيقة الدلالة ؛ فالإنسان حينما يقبل شيئاً من غير دليل شرعي، وغير منطقي، وغير واقعي، ويتناقض مع الفطرة، ويتناقض مع العقل، يقبله ويعطل عقله ويتعامى عن فطرته ويتجاهل الواقع فهذا إنسان سفيهُ العقل أحمق، إذاً فرعون ما كان له أن يعطي أوامره لهؤلاء الذين كانوا معه لولا أنهم ضعاف العقول، وهؤلاء الذين كانوا معه ما كانوا ليكونوا ضعاف العقول لو أنهم اتبعوا الحق، بل اتبعوا شهواتهم فضعفت عقولهم فاستخف بهم فأمرهم فنفذوا أمره.
يعني فما من شيء يرفع شأن الإنسان في الحياة الدنيا ويميزه عن بقية المخلوقات كالعقل، والآيات التي تتحدث عن العقل والعلم في القرآن الكريم تقترب من ألف آية، وما من أمر إلهي إذا عرضته على العقل السليم إلا ويقبله، وما من نهي إذا عرضته على العقل السليم إلا ويقبله، فديننا دين العقل، إنما العقل أصل الدين، أفلا يعقلون ؟ أفلا ينظرون ؟ أنى تؤفكون ؟ قليلاً ما تذكرون، الآيات التي تتحدث عن الذكر والعقل والفكر والتذكر والتدبر تقترب من ألف آية.
العقل أصل الدين وفرعون استخف قومه لأنه وجد عقولهم سقيمة:
إذاً فهذه الآية دقيقة المعنى جداً، لماذا استخف قومه ؟ وجد عقولهم سقيمة، لماذا ضعفت عقولهم ؟ لأنهم اتبعوا شهواتهم، إذاً إتباع الشهوة يتناقض مع العقل، تقريباً لو مثّلتَ العقل نقطة هنا والشهوةَ نقطةً هناك، وأنت بينهما، فإذا اقتربت من الشهوة ابتعدت حكماً من العقل، وإذا اقتربت من العقل ابتعدت حكماً من الشهوة، وأنا حينما أتحدث عن الشهوة لا أتحدث عن الشهوة التي تمارس وفق منهج الله، لا، فهذه انطلقت في قناتها الطبيعية المشروعة.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5)إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6)﴾
(سورة المؤمنون)
لا لوم عليك، إذا كسبت المال الحلال ليس عليك لوم، إذا اقترنت بامرأة وأنجبت منها أطفالاً ليس عليك لوم، وإذا ابتغيت الرفعة بين عباد الله عن طريق طاعة الله عز وجل ليس عليك لوم، اللوم حينما تتبع الشهوة من دون منهج، وحينما يتبع المرء الهوى فإنه لا محالة زائغ قال تعالى:
﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (26) ﴾
(سورة ص)
وهذا تعليق على الآية السابقة:
﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) ﴾
(سورة الزخرف)
ومن ثَمّ فإن الإنسان لا ينبغي له أن يهمّش نفسه في الحياة فالإنسان أعماله ومشاغله وطلب الرزق وهموم العيش تستهلكه فلا تبقي له وقتاً ليتأمل وليتعرف إلى ذاته ويسأل من أنا ؟ وأين كنت ؟ وإلى أين المصير ؟ وماذا يعني الموت ؟ وماذا بعد الموت ؟ ومن خلقني ؟ ولماذا خلقني ؟ وما المنهج الذي ينبغي أن أسير عليه ؟ كيف أكسب المال ؟ كيف أنفق المال ؟ كيف أختار الزوجة ؟ كيف أختار الأصهار ؟ هناك أمور كثيرة جداً، فإذا أصم أذنيه تستهلكه الحياة، ويعمى عن الحق، ويهمش، فإذا نام استيقظ، ثم يأكل، ويشرب، ويعمل، ويجمع الأموال، وينفقها من غير هداية أو رشد، يزين بيته إلى أن يأتيه ملك الموت، فيقول:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
(سورة المؤمنون)
لا بد من وقفة تسأل بها نفسك أيعقل أن يُخلق هذا الكون عبثاً ؟
إذاً أيها الأخوة الكرام لابد من وقفة متأنية، لابد من وقفة تحاسب بها نفسك حساباً يسيراً، بل حساباً عسيراً كي يكون حسابك يوم القيامة يسيراً، لابد من وقفة لتعلم حقيقة أنك على سفر، فهذه الدنيا ليست دار قرار، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( إن أكيس الناس أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً ))
[أخرجه يحيى بن هاشم عن زيد بن علي]
والتفكر أجود قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ(190)الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191) ﴾
( سورة آل عمران)
ولابد من سؤال تلقيه على نفسك يومياً ؛ هذا الكون العظيم أيعقل أن يخلق سدى وعبثاً وباطلاً ؟
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ(38) ﴾
(سورة الدخان)
ليس معقولاً، فاللعب عمل عابث بلا هدف.
﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ(39) ﴾
(سورة الدخان )
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت لا خيار قبول:
ما هو الحق ؟ الحق الشيء الثابت والهادف، المخلوقات خلقت لتبقى والموت عرض يصيبها.
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
(سورة آل عمران 185)
خلقت لتبقى إلى أبد الآبدين.
﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77)﴾
(سورة الزخرف)
خلقت لتبقى إلى أبد الآبدين، إما في جنة يدوم نعيمها، أو نار لا ينفد عذابها.
أيها الأخوة الكرام خيارك مع الإيمان خيار وقت لا خيار قبول أو رفض، خيارك متى تؤمن ؟ لأنه لابدّ من أن تؤمن، فاحذر أن تؤمن بعد فوات الأوان، فرعون آمن عند الموت، طبعاً فالإنسان عند الموت يعلم الحقيقة علم اليقين ولكن لا ينفعه علمه هذا.
﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ(22) ﴾
(سورة ق)
على المؤمن أن يتأمل ليعرف إلى أين هو ذاهب:
المؤمن حينما يأتيه الموت ويرى مقامه في الجنة يقول: لم أر شراً قط، كل المصائب التي ساقها الله له من أجل أن يطهره ويرقى به بها، ويكرر لم أر شراً قط، والكافر لمّا يرى مقامه في النار يقول لم أر خيراً قط ولو كان في الدنيا بأعلى درجات التنعم والغنى والقوة.
فيا أيها الأخوة الكرام مزيداً من التأمل، تأَمّل، صلِّ الفجر واجلس وتأمل إلى أين أنت ذاهب ؟ الله عز وجل قال:
﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) ﴾
(سورة التكوير)
هناك أناس جمعوا أموالاً طائلة ووصلوا إلى مراتب عالية وجاءهم ملك الموت فكانوا صفر اليدين، انظر فهل الطريق الذي أنت فيه سالك أم غير سالك ؟ أم يوصل إلى مطب كبير، وإلى شقاء كبير؟
﴿ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) ﴾
(سورة يونس)
وقال:
﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) ﴾
(سورة التكوير)
وقال أيضاً:
﴿ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) ﴾
(سورة الزمر)
على المؤمن أن تكون عقيدته ثابتة وأن يبتعد عن الاعتقادات الفاسدة:
وها نحن الآن مع موضوع جديد فإلى الآيات التي تبدأ بقوله تعالى:
﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) ﴾
(سورة الزخرف)
أيها الأخوة هذه القصة تبين أن عقيدة الإنسان أهم شيءٍ في حياته، والخطأ في العقيدة مشكلته أنه خطأ قد لا يتراجع عنه الإنسان، لأن المعتقِد خطأ يظن أنه على صواب، أما المذنب إذا عرف أنه مذنب فقد يتوب من ذنبه، لذلك إبليس لا يفرح بالمعصية بل يفرح بالابتداع وهو أن تعتقد اعتقاداً فاسداً، فكل واحد من المؤمنين الطيبين يجب أن يعرف بالضبط ما عقيدته ؟ هل عقيدته مطابقة لكتاب الله عز وجل ولِما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ؟ إن لم تكن كذلك عليه أن يصحح قبل فوات الأوان.
هؤلاء العرب في الجاهلية اعتقدوا اعتقادات فاسدة، وكذلك أهل الكتاب اعتقدوا اعتقادات فاسدة، ومناقشتنا ستنصبُّ حول موضوع العقيدة، والإنسان حينما يعتقد اعتقاداً جازماً أن لهذا الكون خالقاً ومربياً ومسيراً موجوداً وواحداً وكاملاً، وأسماءه كلها حسنى وصفاته كلها فضلى، وأنه أنزل كتباً من عنده إلى البشر ليهتدوا بها، وأن القرآن الكريم قد حفظه الله من أن يُغير أو يبدل، وأن الأنبياء عباد مكرمون اصطفاهم الله عز وجل وأنعم عليهم بالوحي وأيدهم بالمعجزات وهم معصومون قبل النبوة وبعدها، وأن هناك مخلوقات نورانية هي الملائكة سخرها الله عز وجل لمهمات كثيرة منها أنها تسجل على العبد أعماله الصالحة والطالحة، وأن هناك عالماً بعد الموت أبدياً، في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، هذه أركان الإيمان ينبغي أن نتعلمها، ينبغي أن نعقلها، ينبغي أن نتبناها، ينبغي أن تحرك مجرى حياتنا وتوجهه.
يجب أن نؤمن بالحساب يوم القيامة:
الشيء الملاحظ أنك قد ترى إنساناً مسلماً من أب وأم مسلمين ولا ترى في حياته اليومية ولا في أعماله ولا في تصرفاته ما تشعر معه أنه يعمل للآخرة، بالعكس قد ترى في تصرفاته ما ينبئ أنه لا يحسب حساباً إطلاقاً لليوم الآخر، وأنه يتحرك وكأن هذا الكون لا إله له ولا خالق، القوي يأكل الضعيف، الذكي يحتال على الغبي، الغني يزداد غنىً والفقير يزداد فقراً فالقضية خطيرة جداً، فلقد تعلمنا في المدرسة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، إذا آمنت أن الملك كما أخبرك الله عز وجل يسجل عليك كل شيء، فلن تقول: كذباً، أو زوراً، أو بهتاناً، ولن تحلف بالله كذباً، ولن تغش المسلمين، ولن تحتال لكسب المال، كيف تجحد الفضل ؟ كيف لا تكون منصفاً مع الآخرين إذا حكموك ؟ فمعنى ذلك أنه لابد أن تؤمن بعناصر الإيمان المذكورة وتؤمن كذلك بالحساب يوم القيامة، ولذلك لابد من مناقشة قضية العقيدة نقاشاً واضحاً مقنعاً:
﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) ﴾
(سورة الزخرف)
المعجزات مقبولة عقلاً لكنها غير مقبولة عادةً:
سيدنا عيسى نبيٌّ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام عُبِدَ من قبل النصارى من دون الله، فلما قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ﴾
(سورة آل عمران 59)
إذاً لا تعجبوا من أن يخلق الله إنساناً من غير أبٍ ! فالله على كل شيء قدير، أن يخلق الإنسان من دون أب فهذا شيء غير مألوف، لكنه مقبول عقلاً لأن الذي خلق الكون من عدم، الكون بأكمله، والمجرات بأكملها، مليون مليون مجرة، في كل مجرة مليون مليون نجم، هذا الكون بأكمله خلق من عدم، أيعجز الله عز وجل أن يخلق إنساناً واحداً من غير أب ! فالمعجزات مقبولة عقلاً لكن غير مقبولة عادة، فلماذا عُبِد من دون الله ؟ لأنه من دون أب، من دون أب كمثل آدم فسيدنا آدم خلق من دون أب وأم، السيدة حواء بلا أم، سيدنا عيسى بلا أب، بينما البشر العاديون من أب وأم، أربع حالات موجودة، تتعلق بخلق الإنسان، ويستفاد منها أن السبب يقترن مع المسبب، وليس خالقاً له.
الأسباب تقترن مع النتائج ولا تخلقها:
لما ربنا عز وجل خلق هذه القوانين ليُعْلِمنا أن الله هو الخالق وليس السبب هو الذي يخلق، الإنسان حينما يبتعد عن الله عز وجل يتوهم أن الأسباب تخلق النتائج، لكن علماء العقيدة يرون أن الأسباب تقترن مع النتائج ولا تخلقها، والدليل أن السبب قد يختلف، وتأتي النتيجة صحيحة، كسيدنا عيسى، فقد تخلف السبب وجاءت النتيجة، وقد توجد النتيجة بلا سبب، أو قد يوجد السبب ؛ كأم وأب كاملين ولا ينجبان أولاداً، إذ جعلهما الله عقيمين.
إذاً فحينما تخرق العادات فهذا من أجل أن نعلم أن السبب وحده لا يكفي لخلق النتيجة.
حينما يستخدم العقل لغير ما خلق له فهو كثير الجدل والمناقشة:
لذلك:
﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) ﴾
(سورة الزخرف)
معنى يصِدّون أي يضجرون، يصُدون أي ينصرفون، أما يصِدون أي يضجرون، هم ماذا أرادوا ؟ هم أرادوا أن آلهتهم خير من عيسى، وقالوا:
﴿وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ(58) ﴾
(سورة الزخرف)
نحن نعبد الملائكة، والملائكة أقرب إلى الله من البشر، ونحن ماذا فعلنا ؟ إذا كان النصارى قد عبدوا المسيح فنحن نعبد الملائكة.
﴿وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا(58) ﴾
(سورة الزخرف)
كلمة (الجدل) أيضاً أحب أن أقف عندها وقفة، العقل شيء ثمين جداً، لكن لو أن الإنسان اتبع شهوته سيجد أن لديه جهازاً خطيراً يستخدمه لتحقيق شهواته، لذلك فحينما يستخدم العقل لغير ما خلق له فهو كثير الجدل والمناقشة في الكلام وإظهار الحق باطلاً والباطل حقاً، وكل إنسان يتمتع بعقل وذكاء ولم يكن على هدى من الله عز وجل يستخدم هذا العقل لشهواته ومآربه واقتناص الشهوات وجمع الأموال وردّ الحق ورفع شأنه على الآخرين، العقل له نشاط ينقلك إلى أعلى عليين لو استخدمته وفق ما صنع له، وقد يودي بك إلى الهلاك إذا استخدمته لغير ما صنع له.
الآن هناك آلات طابعة تطبع الصورة الملونة غالية الثمن جداً يقترب ثمنها من مليون ليرة، هذه الآلة يمكن أن تستخدم استخدامات صحيحة وقانونية تجعلك من الأغنياء من خلالها، أما إذا استخدمتها لتزوير العملة فقد تودع في السجن، والآلة هي نفسها إن استخدمتها في الأغراض المشروعة اغتنيت منها وإن استخدمتها في الأساليب غير المشروعة أودت بك إلى السجن، فكيف العقل ؟!
المجادلة والافتراء و قلب الحق إلى باطل هذا كله نشاط عقلي ولكن لغير ما خلق له العقل:
فالمجادلة والمماحكة والإفك والافتراء وقلب الحق إلى باطل والباطل إلى حق وافتعال المبررات للصد عن سبيل الله، هذا كله نشاط عقلي ولكن لغير ما خلق له العقل.
﴿ وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) ﴾
(سورة الزخرف)
لنحتكم وإياكم للمنطق ؛ المنطق أتعجبون من أن عيسى بلا أب ونسيتم أن آدم بلا أب ولا أم:
﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ (59) ﴾
(سورة آل عمران)
فلم يعجبهم هذا المثل.
﴿وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ(58) ﴾
(سورة الزخرف)
هم يعبدون الملائكة، والملائكة أقرب إلى الله في زعمهم من البشر فماذا فعلوا هم ؟ قال:
﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا (58) ﴾
(سورة الزخرف)
الجدل سلاح المنحرفين والمنافقين:
بالمناسبة ما أضلّ الله قوماً بعد إذ هداهم إلا أوتوا الجدل، الجدل سلاح المنحرفين، سلاح المنافقين، سلاح الكفار، سلاح الفجار فمثلاً:
جاء أعرابي النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله عظني ولا تطل، بهذه البساطة، فتلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة:
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) ﴾
( سورة الزلزلة )
قال: كُفيت، آية واحدة اكتفى بها، فالنبي تأثر، قال: فقُه الرجل.
أيها الأخوة لو تبرأ الإنسان وتنزه عن مآربه الدنيوية وعن ترهات الجاهلية وعن أهوائه وعن مصالحه وابتغى الحقيقة لوجه الله عز وجل، فو الله لا تلَبّث في مناقشته لنفسه أكثر من دقيقة واحدة، فالأمور واضحة كالشمس، كون ينطق بوجود الله، وينطق بكماله، وينطق بوحدانيته، وينطق بقدرته، وكتابه بين أيدينا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنبياء كالشموس مثلٌ عليا، وقدوةٌ صالحة، ومنهجٌ واضح جداً، العقل يقبله والفطرة ترتاح له والواقع يؤيده والنقل يدعمه، ماذا بقي إلا التحرك نحو الله عز وجل، فماذا ننتظر ؟ النبي قال:
(( شمروا فإن الأمر جد، وتأهبوا فإن السفر قريب، وتزودوا فإن السفر بعيد ( يعني وقته قريب، ومسافته بعيدة ) وخففوا الأثقال فإن في الطريق عقبات كؤود، لا يجتازها إلا المخفون، يا أبا ذر جدد السفينة فإن البحر عميق، وأخلص النية فإن الناقد بصير))
على الإنسان أن يستقيم على أمر الله وأن يلتزم بمقتضيات الإيمان:
الإنسان لا ينبغي أن يتأخر، إن سمع الحق فليُشمِّر، وليؤد الصلوات، وعليه أن يستقيم على أمر الله، يراجع حساباته، يراجع بيته هل فيه مخالفة شرعية ؟ يراجع عمله، يتوب من ذنب اقترفه ليصلح ما أفسد، إذاً هناك حقوق عالقة فليؤدها قبل فوات الأوان، فأحياناً يصدر قانوناً يحرك البشر حركة مذهلة، ويصدر تصريحاً أحياناً في بيع وشراء، فيدفع الناس في حركة تعاملية نشيطة، ومشروع قانون قد يغير معالم التجارة كلها والله يقول لكم:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) ﴾
(سورة آل عمران)
أفلا تتحركون ؟ ويقول:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾
(سورة التحريم 8)
أفلا تبادرون. ماذا دهاكم ؟! فيجب أن تشمر وأن تبادر وأن تتحرك، لذلك قال سبحانه:
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾
(سورة الأنفال 72)
هو آمن ؛ لكنه لم يأخذ موقفاً عملياً، آمن لكنه لم يلتزم، آمن لكنه لم يحرك ساكناً، آمن لكنه قال: سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ليس باليد حيلة، هذا إيمان إبليسي لأن إبليس آمن وقال: فبعزتك، اعترف بوجود الله، وبأنه عزيز، ولكن تحرك حركة معاكسة لمقتضيات الإيمان.
الخطأ في العقيدة مستمر أما الخطأ في السلوك فمنقطع:
أيها الأخوة الكرام ليس المقصود تفاصيل هذه المناقشة بل المقصود أن تعتقد عقيدة صحيحة، لأن الخطأ في العقيدة مستمر أما الخطأ في السلوك فمنقطع، تغلط فتتوب، أما الذي يعتقد اعتقاداً فاسداً هذا كيف يتوب ؟ يظن أنه على حق.
﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) ﴾
(سورة الزخرف)
يضجرون، ويعجبون، وقالوا:
﴿وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) ﴾
(سورة الزخرف)
يعني الخصومة جزء من حياتهم، شريرون، يحبون الجدل بالتعبير العامي العيّ، المؤمن عملي في كل قضية، الصحابة الكرام الذين هم بتقييم النبي عليه الصلاة والسلام إذ قال خير القرون قرني الصحابة لم يلتفتوا إليها، ربنا عز وجل قال:
﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾
(سورة الفتح 18)
يجب أن ننظر إلى المضمون لا إلى الشكل:
بنص القرآن رضي الله عنهم فهم خيرة الخلق، وحققوا الهدف من خلقهم وكانوا مع نبيهم، فالموضوعات التي لم يهتموا بها ينبغي ألا نهتم بها، ينبغي ألا نخوض في خلافات، وفي مماحكات، وفي مناقشات، الحياة قصيرة لا تحتمل جدلاً ولا عيّاً، والأفكار فيها بسيطة جداً، خلاصتها هذا الإله خالق الكون وهذا كتابه وهذه سنة نبيه فماذا تفعل أنت ؟ تحرك يا أخي، تب إلى الله، اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ولا تقحم نفسك في خصومات وخلافات وجدل عقيم، وينقضي العمر وأنت في جدل لا طائل منه.
لو فرضنا ؛ أن إنساناً قرأ إعلاناً على الجدار لمنع التجول تحت طائلة إطلاق الرصاص، ثم وقف عند الإعلان هذا الخط رائع والحبر لامع والتوقيع جميل، بدأ يحلل هذا البلاغ إلى أن جاءت رصاصة فقتلته، انظر المضمون أولاً، أن تدخل إلى بيتك فقط، لكن اهتمامنا انصبَّ على الشكل حتى نسينا المضمون، الإنسان عليه أن يتحرك نحو النجاة، عليه أن يستقيم، واللهِ إن عدل ساعة أفضل من أن تعبد الله ثمانين عاماً، أن تستقيم على أمر الله كما قال أحد العلماء: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، (الدانق) عشر الدرهم يعني عشرين قرشاً سورياً، واللهِ لأن أمشي مع أخ في حاجته أفضل من صيام شهر مع اعتكاف في مسجدي هذا، كن عملياً، الدين بسيط ولكن نحن عقدناه، قضاياه بسيطة، وربنا رب النوايا، النبي الكريم كلما سئل في الحج قال: افعل ولا حرج.
التاريخ لا علاقة لنا به نأخذ منه الإيجابيات فقط:
ليس القصد أن تقصر، لا ؛ لكن لا تدخل في مجادلات وخلافات وفي مسائل، الخلاف بين الفرق الإسلامية هذا لا ينفعك، هدفك واضح، والطريق سالك للهدف، واترك أي مشكلة وراء ظهرك والغِ التاريخ كله من ذهنك وذاكرتك.
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(134) ﴾
(سورة البقرة)
انتهى الأمر، هذا التاريخ ليس لنا علاقة به، نأخذ منه الإيجابيات، نأخذ منه ما يحفزنا إلى البطولة، أما ما كان عبئاً علينا ندعه، العبء تركناه والحافز أخذناه، المنهج واضح أنا أريد أن تكون عملياً.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾
(سورة الأنفال 72)
هنا الهجرة تعني ترك الباطل، المهاجر من هجر ما نهى الله عنه، المشكلة أن على الإنسان أن يشمر وينطلق إلى الله طالباً النجاة.
﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ(50)﴾
(سورة الذاريات)
وقال:
﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) ﴾
(سورة الزخرف)
العبرة بالتطبيق والقصد أن تتبع منهج الله عز وجل:
حبُّ المناقشة، والحوار، والمجادلة، والمماحكة تجري في عروقهم، والأخذ والرد وقيل وقال، قال رسول الله:
(( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا ؛ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ))
[ متفق عليه عن المغيرة بن شعبة ]
يجب أن نعرف الصحابة الكرام بماذا ارتقوا ؟ كيف رضي الله عنهم ؟ كيف أحبوا النبي حباً جماً ؟ كيف فدوه بأرواحهم وأموالهم ؟ اتبعوا المنهج، لكن نحن لا نتبع المنهج ومازلنا نناقش، تجده يؤيد العالم الفلاني لا الفلاني، والدعوة الفلانية لا الفلانية، يخوض في أعراض العلماء وهو لم يطبق شيئاً من دعواتهم كلهم، فكل واحد دعاك إلى الله على العين والرأس، دعاك إلى الله وفق منهج الله فلا تعقد الأمور، ولا تعمل انتماءات، وتطعن بهذا، وتسوء سمعة هذا، وتخطئ هذا، ليس هذا هو القصد، القصد أنهم كلهم يشرحون منهجاً موحداً هو الكتاب والسنة بأساليب متنوعة، العبرة بالتطبيق، ممكن أن تكون عند أعظم داعية ولا تكون مطبقاً، فمع رسول الله وعلى يساره كان يجلس أحد المنافقين، فلما مات قال: أريد قميص رسول الله ليكفن به، فأعطاهم الرسول قميصه وقال: ما يغني عنهم من الله شيئاً، لقد استقر في جهنم حجراً كان يهوي به سبعين خريفاً، لكن صحابي طلب قميصه، فسألوه لماذا ؟ قال: إذا جاء الملكان وقالا: من نبيك ؟ قلت: هذا قميصه.
القصد إذاً ؛ لا هذه المظاهر، ولا القصد السلوك الذي يبوئك مكانة ما، بل القصد أن تكون مخلصاً لله عز وجل، طاهر النية، طاهر السريرة، مطبقاً لمنهج الله فالإسلام يبدو لك بسيطاً، نحن عقّدنا الإسلام حتى أصبح فرقاً، وشيعاً، ومذاهب، واتجاهات، وخصومات، وأدلة القرآن والسنة بين أيدينا، والكون ينطق بوجود الله، وعظمته، والله فطر الإنسان فطرة تؤهله للمعرفة الصحيحة.
﴿بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)﴾
(سورة القيامة)
ابتعد عن الخصومات الفكرية وكن عملياً:
قد يجد شخص أمامه خمسمئة ليرة فينحني ليتناولها وفي نيته أن يبحث عن صاحبها إذاً هو في عبادة لله، بينما إنسان آخر ينحني ليتناولها وفي نيته أن يأخذها لنفسه فهو عاصٍ، الشكل واحد لكن اختلفت النوايا، قال سبحانه:
﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) ﴾
(سورة الزخرف)
التعبير العامي (العيّ)، قال رسول الله:
(( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا ؛ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ))
[ متفق عليه عن المغيرة بن شعبة ]
أنت كن عملياً وواقعياً والتزم ودعك من كل الخصومات الفكرية، فإنها ترهات جاهلية.
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ(59) ﴾
(سورة الزخرف)
بالنبوة وهذه نعمة عظمى.
﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33) ﴾
(سورة آل عمران)
أنعمنا عليه بالنبوة، أيدناه بالمعجزات.
﴿ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) ﴾
(سورة الزخرف)
جعلناه مثلاً لقدرتنا، كن فيكون من دون أب، وجعلناه مثلاً للحياة بعد الموت.
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) ﴾
(سورة الزخرف)
نحن جميعاً في قبضة الله كن فيكون:
أنتم أيضاً في قبضة الله، كن فيكون، زل فيزول، يمكن أن نذهب بكم جميعاً وأن نأتي بملائكة مكانكم ولا تضرونه شيئاً:
﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) ﴾
(سورة فاطر)
وقال:
﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ(38) ﴾
(سورة محمد)
بمجموعكم خمسة آلاف مليون بشر، كن فيكون، زل فيزول، بادوا وانتهوا وجعلنا مكانهم ملائكة.
الموت نوعان ؛ موت في النوم وموت عن طريق ملك الموت:
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ﴾
(سورة الزخرف)
الهاء تعود على سيدنا عيسى، في هذه الآية أقوال كثيرة، من هذه الأقوال أن القرآن الكريم ينبئ بقيام الساعة، أو أن سيدنا عيسى مجيئه في آخر الزمان مرتبط باقتراب الساعة، لأن سيدنا عيسى لم يمت بعد.
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
(سورة آل عمران 55)
فسيدنا عيسى ما مات الموت الأبدي، الموت نوعان ؛ موت في النوم، وموت عن طريق ملك الموت.
﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ(11)﴾
(سورة السجدة)
وقال:
﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾
(سورة الزمر 42)
فالوفاة التي وصف بها سيدنا عيسى وفاة النوم، وسوف يعود إلى الدنيا في آخر الزمان، وهذا شيء ثابت في القرآن.
﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ﴾
(سورة الزخرف)
ولكن عَلَم الساعة إذا ظهرت العلامات الكبرى والصغرى، فإذا ظهرت هذه العلامات اقترب معها مجيء سيدنا عيسى.
على المؤمن أن يتنبه حتى لا يصده الشيطان عن سبيل الله:
قال تعالى:
﴿وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(62)﴾
(سورة الزخرف)
أي لا يصدنكم الشيطان عن سبيل الله عز وجل، لأن الإنسان حينما يكون على الإيمان يأتيه الشيطان ليصده عن هذا السبيل، فيقول أنا قبل أن أتوب ليس عندي أي مشكلة، طبعاً لأنك كنت موافقاً للشيطان وهو راضٍ، هذه الآية مما يزعج الشيطان، من الطبيعي أن الإنسان عندما يسلك طريقاً إلى الله عز وجل تتوارد على قلبه خواطر كثيرة فيحتار في أمره، لأن الشيطان بدأ عمله، وعمله مثل اللقاح يأتي مخففاً فيعطيك مناعة، لا أحد يتألم من خاطر شيء أو شبهة طرحها الشيطان، هذه كاللقاح تماماً، جراثيم مخففة من أجل أن ينتج الجسم مصلاً واقياً من هذه الجراثيم، أما المؤمن فإذا خطر بباله خاطر وتألم لهذا الخاطر، فهذا دليل على أن هذا الخاطر هجين عليه أولاً، وثانياً هذا الخاطر يبحث عن جواب محكم لهذه الشبهة فيزداد إيمانه، تتكون لديه قدرة ليرد أي خاطر آخر.
﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(64)﴾
(سورة الزخرف)
المعجزات تأتي لتوافق طبيعة العصر:
سيدنا عيسى جاء بالبينات، من البينات إحياء الميت، وأنه أبرأ الأكمه والأبرص كذلك بإذن الله، طبعاً إذا الله عز وجل أرسل نبياً فهذا النبي يحمل للناس منهجاً، والمنهج يحد من شهوات الناس، ومن انحرافاتهم، ومن طغيانهم، فالإنسان لما يحد من انحرافاته صار عنده سبيل للدفاع عن نفسه فلا يكذب النبي ولا يقاومه، بل يصغي إليه ويقبل منه.
فلابدّ من معجزات يؤيد الله بها أنبياءه، المعجزات توافق طبيعة كل عصر، لو فرضنا أن عصراً لا يهتم بالطب، والنبي جعلت معجزاته طبية فلن يفهم أحد منها شيئاً، فليس لها قيمة، إذاً لا بدّ من معجزة في موضوع تفوقَ فيه عصر ذلك النبي.
وفي زمن سيدنا موسى ؛ كان السحر متفوقاً جداً، فجاء فرعون بالسحرة الذين أتوا بحبال وعصي جوفاء، طبعاً أتوا بأفاعٍ وضعوا فيها زئبقاً، ووضعوها على سطح ساخن، فالزئبق تمدد، ولما تمدد الزئبق تحركت الحبال والعصي كالأفاعي، عمل السحرة مهارة وإتقان قال تعالى:
﴿ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) ﴾
(سورة الشعراء)
وعلت الدهشة الوجوه، ووجم السحرة، إنها أفعى حقيقية وليست زئبقية، لأن هذا ثعبان مبين أكل كل هذه الأفاعي التي اصطنعها السحرة، فالسحر كان يومها متفوقاً جداً، فكانت المعجزة حية أو ثعباناً انقلب عن عصا موسى وهزم السحرة وانقلبوا صاغرين:
﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) ﴾
(سورة الشعراء)
في زمن سيدنا عيسى كان الطب متفوقاً، أما الطبيب مهما كان متفوقاً فإن مات شخص وطلب من الطبيب إحياءه فيقول: هذا ليس من شأني، وفوق طاقتي، بل هذا لله.
إن الطبيب له عـلم يدل بـه إن كان للناس في الآجال تأخـــير
حتى إذا ما انتهت أيام رحلته حار الطبيب وخـانتــه العقاقيـر
* * *
هذه فوق طاقة البشر إذ لا يستطيع طبيب أن يحيي ميتاً، فسيدنا عيسى أحيا الميت، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، هذه أمراض مستعصية، وأنبأ الناس بما في بيوتهم من مدخرات، فهذه بينات واضحة جاءت بأدلة لتدل على أنه نبي من عند الله عز وجل.
الحكمة كلام الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه:
قال تعالى:
﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ(63) ﴾
(سورة الزخرف)
الحكمة يعني الإنجيل، الكلام الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، الحكمة كلام الله عز وجل، ما هذه الحكمة ؟ كلام واقعي منطقي صحيح، الإنسان إذا طبقه قطف نتائجه، أجل هذه هي الحكمة.
﴿ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ(63) ﴾
(سورة الزخرف)
وكلما سئل سيدنا عيسى من قبل بني إسرائيل عن قضايا خلافية بينهم مما في توراتهم فإنه يبين هذا الذي اختلفوا فيه، أما كلمة (بعض) أي أنه أجاب عن كل سؤال سئل عنه لكن هناك خلافات ما أجاب عنها لأنه لم يسأل عنها.
﴿ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) ﴾
(سورة الزخرف)
وقال:
﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ(116)مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117)إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(118) ﴾
(سورة المائدة)
الخلاف ليس من النص بل من النفوس الضعيفة:
وقال:
﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ(65) ﴾
(سورة الزخرف)
الخلاف فيما بينهم حسداً وظلماً وعدواناً واستعلاءً، والخلاف ليس من النص بل من النفوس (وهذه آية دقيقة جداً) القرآن الآن واحد والسنة واحدة، والخلاف خلاف حسد، خلاف كبر، خلاف بغي، خلاف عدوان، خلاف مصالح، ما عليه المسلمون اليوم من خلاف لا يعود إلى أصل دينهم، و لا إلى نصوصهم المقدسة، بل يعود إلى نفوس ضعيفة، هذه نقطة مهمة جداً، الخلاف بين المسلمين دليل انحرافهم، دليل بعدهم عن الدين، لو أنهم أخلصوا لاتفقوا، ولو أنهم أخلصوا لاتحدوا، طبعاً الخط المستقيم بين نقطتين يمر وحده، ولا خط غيره، أريد خطاً ثانياً يأتي فوقه تماماً، وكذلك الثالث فوقه تماماً، لو رسمت ألفَ مليون خطٍ مستقيم بين نقطتين فكلها تتطابق، لأن الحق واحد لا يتعدد، لكن الباطل يتعدد.
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
(سورة الأنعام 153)
السبل جمع سبيل.
﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾
(سورة البقرة 257)
الخلاف بين المسلمين ليس بسبب دينهم بل بسبب مصالحهم وانحرافاتهم:
والظلمات جمع، والنور مفرد، فالحق لا يتعدد، إذاً الخلاف أساسه الحظوظ النفسية، أساسه البغي، العدوان، الكبر، الحسد، المصالح المادية هذه تصنع الخلاف، أما الدين فهو واحد والقرآن واحد والسنة واحدة والهدف واحد والمنهج واحد والدستور واحد، فالخلاف الذي بين المسلمين الآن ليس بسبب دينهم لا، بل بسبب مصالح وأهواء وانحرافات وأمراض نفسية وكبر وحسد.
﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ(65) ﴾
(سورة الزخرف)
من بينهم خلاف داخلي أسبابه أسباب أرضية وليست علوية.
﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) ﴾
(سورة الزخرف)
ظلموا الحقيقة، ظلموا أنفسهم، تكلموا بغير الحق، لمصالح، لمكاسب، الله عز وجل يتوعد هؤلاء بعذاب يوم أليم.
﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) ﴾
(سورة الزخرف)
من يفتي بخلاف ما يعلم فهو آثم عند الله أكثر ممن يفتي بلا علم:
رجل في بلد إسلامي أفتى بمعصية، خرَّجها وعللها بتعليلات ملفقة، دخل عليه شخص (حدثني مباشرة بلسانه) وهو على فراش الموت، رفع يديه إلى السماء وأشهد الله أنه بريء من كل فتوى أفتى بها سابقاً، متى ؟ بعد فوات الأوان، فالإنسان وهو حي يجني مكاسب، ومطامع، ورغبات، ومالاً، ومظاهر، ومكانة علية، لكن حينما يقول ما ليس بحق، يفتي بخلاف ما يعلم، هناك من يفتي بلا علم هذا آثم عند الله، لكن إثمه أقل من الذي يفتي بخلاف ما يعلم، يعلم الحقيقة ويفتي خلافها لحظ دنيوي، قال سبحانه:
﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) ﴾
(سورة الزخرف)
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( بادروا إلى الأعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا ))
[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
لو أردنا الدنيا وحدها فما المغنم ؟ لو أعرض الإنسان عن الله وعن دين الله ولو انكب على الدنيا فماذا في الدنيا من مغانم ؟ هذه كلمة خطيرة جداً جعلتها محوراً لدرس طويل وهي: ثم ماذا ؟ صرت غنياً وبعدها على باب صغير، صرت قوياً وبعدها إلى القبر، صرت أعلى درجة علمية ثم ماذا ؟ هذه (ثم ماذا) تقصم الظهر، ثم ماذا بعد الغنى إلا القبر، ماذا بعد القوة إلا القبر، طبعاً القول الشهير: كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت، الليل مهما طال فلا بدّ من طلوع الفجر، والعمر مهما طال فلا بدّ من نزول القبر.
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فـإذا حملت إلى القبور جنازة فـاعلم بأنك بعدهـا محمول
* * *
المؤمن يتفوق إذا بقيت لحظة اللقاء مع الله في ذهنه دائماً:
ذكرت لكم في درس سابق أنهم سألوا طالباً نال الدرجة الأولى على جميع طلاب القطر: ما سبب هذا التفوق ؟ قال: لأن لحظة الفحص لم تغادر مخيلتي طوال العام، أعجبتني هذه الكلمة، وأنا أقول لكم المؤمن يتفوق إذا بقيت لحظة اللقاء مع الله دائماً في ذهنه، قبل أن يتكلم بأية كلمة يقول بينه وبين نفسه ماذا أقول لله إذا سألني لم تكلمت بكذا وكذا ؟ لم أقمت هذه العلاقة ؟ لم أعطيت ؟ لم منعت ؟ لم خاصمت ؟ لم طلقت ؟ فكل حركة وسكنة سوف تُسأل عنها يوم القيامة:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93) ﴾
(سورة الحجر)
وقال:
﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) ﴾
(سورة الزخرف)
هل هناك أحد مات وتوقع الموت قبل أن يموت ؟ قليل ما هم، قد يكون إنسان في ذهنه مشاريع، فمثلاً قال أحدهم: مدخل البيت غير لائق فرتب، ودهن، ووضع تزيينات، ووضع مزروعات، إلى أن انتهى من عمله هذا، ثم توفي فكان هذا المدخل مناسب جداً للذين يعزون بوفاة هذا المتوفى، فالموت يأتي بغتةً، والقبر صندوق العمل، لذلك:
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
[ أخرجه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة ]
هذه سبع نهايات لا بدّ من إحداها، سبع نهايات لمن أراد الدنيا، أما لمن أراد الله:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(51) ﴾
(سورة التوبة )
من تعلّم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت:
لن يأتيك إلا الخير، يعني من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت، أما أرذل العمر فهذه لغير المؤمنين، إن المؤمن ليتألق تألقاً ما بعده تألق كلما تقدمت به السن.
﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ﴾
(سورة الزخرف)
هذه آية دقيقة الدلالة جداً، سنقف عندها وقفة مطولة في الدرس القادم إن شاء الله.
﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ﴾
(سورة الزخرف)
يعني هناك خلة أساسها المعصية والمصلحة، وهناك خلة أساسها الطاعة والإيمان، فالخلة التي أساسها الطاعة والإيمان هذه لا تتأثر، ولا تتبدل، ولا تتغير.
﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ﴾
(سورة الزخرف)
فادعوا الله أن يجعل علاقاتنا علاقات إيمان، هذه علاقاتٌ ثابتة لا تتأثر لا بالمصالح ولا بتقلبات الظروف ولا بتغيرات الأحوال.
الصداقة والأخوة التي أساسها معرفة الله وطاعته لا تتأثر بالظروف والأحوال:
وعدتكم أنه في الدرس القادم نقف عند هذه الآية، لكن الخلة هي الصداقة والمودة، العلاقة بين اثنين إذا كانت أساسها المصلحة والشهوة هذه تنقلب إلى عداوة مع انقطاع المصلحة والشهوة، أما الصداقة والأخوة التي أساسها معرفة الله وطاعته هذه علاقة تتنامى وهي أثبت من كل شيء، ولا تتأثر أبداً بالظروف والأحوال، لذلك فالمؤمنون كما قال عليه الصلاة والسلام:
((المسلمون كالرجل الواحد إذا اشتكى عضو من أعضائه تداعى له سائر جسده))
(كنز العمال 759)
أما غير المؤمنين علاقتهم بحسب المصالح، إذا كان هناك مصالح فهناك علاقة بينهم، وإذا انقطعت المصالح انقلبت هذه العلاقات إلى عداوات، وأما المصالح أو الشهوات، فمثلاً قد يكون بين زوجين حب أساسه قضاء حاجة كل منهما من غير روابط إيمانية، فإذا ما في إيمان وأصيب الزوج أو الزوجة بمرض أو افتقر أحدهما قامت بينهما عداوة، إن عالم الإيمان عالم رائع جداً، لا يتأثر الإيمان وعلاقات الإيمان بأي متغير، المتغيرات لا تقدم ولا تؤخر، لأن أساس العلاقة الإيمانية شيء متين، فلها جذور بعيدة في تربة القلوب الصادقة.
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس السابع من سورة الزخرف.
العقل والشهوة متناقضان فمن يتبع شهوته يضعف عقله:
مع الآية السابعة والخمسين، ولكن قبل أن نمضي في شرح هذه الآية أود أن أقف قليلاً عند قوله تعالى حينما قص علينا ربنا جل جلاله قصة فرعون، ففي نهاية القصة قال:
﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) ﴾
(سورة الزخرف)
وكأن هناك علاقة بين الفسق وبين خفة العقل، استخفهم لأنهم كانوا فاسقين، والإنسان حينما يتبع شهوته يضعف عقله، لأن إتباع الشهوة مناقض للعقل، إما أن تتحرك وفق عقلك أو أن تتحرك وفق شهوتك، وحينما توعَّد الله هذه الأمة بالهلاك وصف سبب هذا الهلاك فقال تعالى:
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)﴾
(سورة مريم )
كلمة المسلمين ليست هي العليا الآن لأنهم أخلفوا وعدهم لله:
إذا أردت أن تحلل أسباب ضعف المسلمين وهم يزيدون على ألف ومئتي مليون في العالم، إذا أردت تحليلاً قرآنياً لضعف المسلمين، وكيف أن كلمتهم ليست هي العليا، وأن الله فيما يبدو تخلّى عنهم، لا، فإنه ما أخلف وعده معهم، ولكنهم هم الذين أخلفوا وعدهم مع ربهم، قال:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)﴾
(سورة مريم)
الله أودع في الإنسان الشهوات وجعل لها قنوات نظيفة:
أما موضوع الشهوات، فما من شهوة أيها الأخوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة، شهوة النساء، وشهوة المال، وشهوة العز والعلو في الأرض، هذه الشهوات الأساسية لها قنوات، لك أن تكسب المال الحلال، ولك أن تتزوج من شئت، ولك أن ترتفع لا عن طريق إيقاع الأذى بالآخرين ولكن عن طريق نفعهم ومعرفة ربك، إذاً ما من شهوة أودعها الله عز وجل إلا وجعل لها قناة نظيفة، فإتباع الشهوات المقصود به من دون منهج الله عز وجل، والإسلام واقعي، كما أنه دين الفطرة.
﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) ﴾
(سورة الزخرف)
على الإنسان أن يحسن استخدام عقله:
والفسق في تعريفه الدقيق الخروج عن منهج الله، آلة معقدة جداً، وهناك تعليمات للصانع، فاستعمال الآلة بخلاف التعليمات فسقٌ بها، أخرجتها عن تعليمات الصانع، والإنسان حينما يحب ذاته ويحرص على مصلحته، وعلى سعادته، ويحرص أيضاً على كمال وجوده وعلى سلامة وجوده وعلى استمرار وجوده، فعليه أن يطبق تعليمات الصانع، ويحسن استخدام عقله، وهذا الإنسان حينما يستخدم عقله لحظة، الإنسان وصل إلى القمر، ووصل بمركبة يسيرها إلى المشتري، والرحلة استغرقت ست سنوات وسرعة هذه المركبة تزيد عن أربعين ألف كيلو متراً في الساعة، وصل إلى الفضاء وغاص في أعماق البحار، إذ وصل إلى أعمق نقطة في المحيط الهادي وهي خليج مريانا، كما توصل إلى نقل الصورة عبر الأقمار الصناعية ونقل الأوامر عن طريق أجهزة حديثة جداً، ومن بعد ؛ فكأن الله سبحانه وتعالى يعاتب عباده الضالين يوم القيامة، ويقول: لو أنكم استعملتم عقولكم بنسبة واحد من المليون لعرفتموني، ها أنتم قد فعلتم ما فعلتم، ووصلتم إلى ما وصلتم، واخترعتم ما اخترعتم، ويسرتم لحياتكم السبل وقربتم المسافات، واخترعتم المركبات، وقذفتم بأنفسكم في البحار، ووصلتم إلى أطباق السماء، لو أنكم استخدمتم هذا العقل الذي أودعته فيكم أدنى نسبة لعرفتموني، لذلك:
﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) ﴾
(سورة الزخرف)
خُلِق العقل ليكون أداة لمعرفة الله فهو أصل الدين:
أيها الأخوة ما من عطاء على وجه الإطلاق يفوق هذا العقل الذي ميز الله به الإنسان على بقية المخلوقات، وهذا العقل إنما خلقه الله من أجل أن تتعرف إليه به، معظم الناس يستخدمون عقولهم لغير ما خلقت له، خلق العقل من أجل أن يكون أداة لمعرفة الله، فاستخدم الإنسان العقل للوصول إلى مآربه الخسيسة، ولجمع الأموال بأساليب غير مشروعة، لذلك فإن العقل كما أنه عطاء كبير، فهو في الحقيقة وبال كبير، فيما لو لم يستخدم وفق منهج الله عز وجل.
آية دقيقة الدلالة ؛ فالإنسان حينما يقبل شيئاً من غير دليل شرعي، وغير منطقي، وغير واقعي، ويتناقض مع الفطرة، ويتناقض مع العقل، يقبله ويعطل عقله ويتعامى عن فطرته ويتجاهل الواقع فهذا إنسان سفيهُ العقل أحمق، إذاً فرعون ما كان له أن يعطي أوامره لهؤلاء الذين كانوا معه لولا أنهم ضعاف العقول، وهؤلاء الذين كانوا معه ما كانوا ليكونوا ضعاف العقول لو أنهم اتبعوا الحق، بل اتبعوا شهواتهم فضعفت عقولهم فاستخف بهم فأمرهم فنفذوا أمره.
يعني فما من شيء يرفع شأن الإنسان في الحياة الدنيا ويميزه عن بقية المخلوقات كالعقل، والآيات التي تتحدث عن العقل والعلم في القرآن الكريم تقترب من ألف آية، وما من أمر إلهي إذا عرضته على العقل السليم إلا ويقبله، وما من نهي إذا عرضته على العقل السليم إلا ويقبله، فديننا دين العقل، إنما العقل أصل الدين، أفلا يعقلون ؟ أفلا ينظرون ؟ أنى تؤفكون ؟ قليلاً ما تذكرون، الآيات التي تتحدث عن الذكر والعقل والفكر والتذكر والتدبر تقترب من ألف آية.
العقل أصل الدين وفرعون استخف قومه لأنه وجد عقولهم سقيمة:
إذاً فهذه الآية دقيقة المعنى جداً، لماذا استخف قومه ؟ وجد عقولهم سقيمة، لماذا ضعفت عقولهم ؟ لأنهم اتبعوا شهواتهم، إذاً إتباع الشهوة يتناقض مع العقل، تقريباً لو مثّلتَ العقل نقطة هنا والشهوةَ نقطةً هناك، وأنت بينهما، فإذا اقتربت من الشهوة ابتعدت حكماً من العقل، وإذا اقتربت من العقل ابتعدت حكماً من الشهوة، وأنا حينما أتحدث عن الشهوة لا أتحدث عن الشهوة التي تمارس وفق منهج الله، لا، فهذه انطلقت في قناتها الطبيعية المشروعة.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5)إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6)﴾
(سورة المؤمنون)
لا لوم عليك، إذا كسبت المال الحلال ليس عليك لوم، إذا اقترنت بامرأة وأنجبت منها أطفالاً ليس عليك لوم، وإذا ابتغيت الرفعة بين عباد الله عن طريق طاعة الله عز وجل ليس عليك لوم، اللوم حينما تتبع الشهوة من دون منهج، وحينما يتبع المرء الهوى فإنه لا محالة زائغ قال تعالى:
﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (26) ﴾
(سورة ص)
وهذا تعليق على الآية السابقة:
﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) ﴾
(سورة الزخرف)
ومن ثَمّ فإن الإنسان لا ينبغي له أن يهمّش نفسه في الحياة فالإنسان أعماله ومشاغله وطلب الرزق وهموم العيش تستهلكه فلا تبقي له وقتاً ليتأمل وليتعرف إلى ذاته ويسأل من أنا ؟ وأين كنت ؟ وإلى أين المصير ؟ وماذا يعني الموت ؟ وماذا بعد الموت ؟ ومن خلقني ؟ ولماذا خلقني ؟ وما المنهج الذي ينبغي أن أسير عليه ؟ كيف أكسب المال ؟ كيف أنفق المال ؟ كيف أختار الزوجة ؟ كيف أختار الأصهار ؟ هناك أمور كثيرة جداً، فإذا أصم أذنيه تستهلكه الحياة، ويعمى عن الحق، ويهمش، فإذا نام استيقظ، ثم يأكل، ويشرب، ويعمل، ويجمع الأموال، وينفقها من غير هداية أو رشد، يزين بيته إلى أن يأتيه ملك الموت، فيقول:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
(سورة المؤمنون)
لا بد من وقفة تسأل بها نفسك أيعقل أن يُخلق هذا الكون عبثاً ؟
إذاً أيها الأخوة الكرام لابد من وقفة متأنية، لابد من وقفة تحاسب بها نفسك حساباً يسيراً، بل حساباً عسيراً كي يكون حسابك يوم القيامة يسيراً، لابد من وقفة لتعلم حقيقة أنك على سفر، فهذه الدنيا ليست دار قرار، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( إن أكيس الناس أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً ))
[أخرجه يحيى بن هاشم عن زيد بن علي]
والتفكر أجود قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ(190)الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191) ﴾
( سورة آل عمران)
ولابد من سؤال تلقيه على نفسك يومياً ؛ هذا الكون العظيم أيعقل أن يخلق سدى وعبثاً وباطلاً ؟
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ(38) ﴾
(سورة الدخان)
ليس معقولاً، فاللعب عمل عابث بلا هدف.
﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ(39) ﴾
(سورة الدخان )
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت لا خيار قبول:
ما هو الحق ؟ الحق الشيء الثابت والهادف، المخلوقات خلقت لتبقى والموت عرض يصيبها.
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
(سورة آل عمران 185)
خلقت لتبقى إلى أبد الآبدين.
﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77)﴾
(سورة الزخرف)
خلقت لتبقى إلى أبد الآبدين، إما في جنة يدوم نعيمها، أو نار لا ينفد عذابها.
أيها الأخوة الكرام خيارك مع الإيمان خيار وقت لا خيار قبول أو رفض، خيارك متى تؤمن ؟ لأنه لابدّ من أن تؤمن، فاحذر أن تؤمن بعد فوات الأوان، فرعون آمن عند الموت، طبعاً فالإنسان عند الموت يعلم الحقيقة علم اليقين ولكن لا ينفعه علمه هذا.
﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ(22) ﴾
(سورة ق)
على المؤمن أن يتأمل ليعرف إلى أين هو ذاهب:
المؤمن حينما يأتيه الموت ويرى مقامه في الجنة يقول: لم أر شراً قط، كل المصائب التي ساقها الله له من أجل أن يطهره ويرقى به بها، ويكرر لم أر شراً قط، والكافر لمّا يرى مقامه في النار يقول لم أر خيراً قط ولو كان في الدنيا بأعلى درجات التنعم والغنى والقوة.
فيا أيها الأخوة الكرام مزيداً من التأمل، تأَمّل، صلِّ الفجر واجلس وتأمل إلى أين أنت ذاهب ؟ الله عز وجل قال:
﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) ﴾
(سورة التكوير)
هناك أناس جمعوا أموالاً طائلة ووصلوا إلى مراتب عالية وجاءهم ملك الموت فكانوا صفر اليدين، انظر فهل الطريق الذي أنت فيه سالك أم غير سالك ؟ أم يوصل إلى مطب كبير، وإلى شقاء كبير؟
﴿ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) ﴾
(سورة يونس)
وقال:
﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) ﴾
(سورة التكوير)
وقال أيضاً:
﴿ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) ﴾
(سورة الزمر)
على المؤمن أن تكون عقيدته ثابتة وأن يبتعد عن الاعتقادات الفاسدة:
وها نحن الآن مع موضوع جديد فإلى الآيات التي تبدأ بقوله تعالى:
﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) ﴾
(سورة الزخرف)
أيها الأخوة هذه القصة تبين أن عقيدة الإنسان أهم شيءٍ في حياته، والخطأ في العقيدة مشكلته أنه خطأ قد لا يتراجع عنه الإنسان، لأن المعتقِد خطأ يظن أنه على صواب، أما المذنب إذا عرف أنه مذنب فقد يتوب من ذنبه، لذلك إبليس لا يفرح بالمعصية بل يفرح بالابتداع وهو أن تعتقد اعتقاداً فاسداً، فكل واحد من المؤمنين الطيبين يجب أن يعرف بالضبط ما عقيدته ؟ هل عقيدته مطابقة لكتاب الله عز وجل ولِما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ؟ إن لم تكن كذلك عليه أن يصحح قبل فوات الأوان.
هؤلاء العرب في الجاهلية اعتقدوا اعتقادات فاسدة، وكذلك أهل الكتاب اعتقدوا اعتقادات فاسدة، ومناقشتنا ستنصبُّ حول موضوع العقيدة، والإنسان حينما يعتقد اعتقاداً جازماً أن لهذا الكون خالقاً ومربياً ومسيراً موجوداً وواحداً وكاملاً، وأسماءه كلها حسنى وصفاته كلها فضلى، وأنه أنزل كتباً من عنده إلى البشر ليهتدوا بها، وأن القرآن الكريم قد حفظه الله من أن يُغير أو يبدل، وأن الأنبياء عباد مكرمون اصطفاهم الله عز وجل وأنعم عليهم بالوحي وأيدهم بالمعجزات وهم معصومون قبل النبوة وبعدها، وأن هناك مخلوقات نورانية هي الملائكة سخرها الله عز وجل لمهمات كثيرة منها أنها تسجل على العبد أعماله الصالحة والطالحة، وأن هناك عالماً بعد الموت أبدياً، في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، هذه أركان الإيمان ينبغي أن نتعلمها، ينبغي أن نعقلها، ينبغي أن نتبناها، ينبغي أن تحرك مجرى حياتنا وتوجهه.
يجب أن نؤمن بالحساب يوم القيامة:
الشيء الملاحظ أنك قد ترى إنساناً مسلماً من أب وأم مسلمين ولا ترى في حياته اليومية ولا في أعماله ولا في تصرفاته ما تشعر معه أنه يعمل للآخرة، بالعكس قد ترى في تصرفاته ما ينبئ أنه لا يحسب حساباً إطلاقاً لليوم الآخر، وأنه يتحرك وكأن هذا الكون لا إله له ولا خالق، القوي يأكل الضعيف، الذكي يحتال على الغبي، الغني يزداد غنىً والفقير يزداد فقراً فالقضية خطيرة جداً، فلقد تعلمنا في المدرسة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، إذا آمنت أن الملك كما أخبرك الله عز وجل يسجل عليك كل شيء، فلن تقول: كذباً، أو زوراً، أو بهتاناً، ولن تحلف بالله كذباً، ولن تغش المسلمين، ولن تحتال لكسب المال، كيف تجحد الفضل ؟ كيف لا تكون منصفاً مع الآخرين إذا حكموك ؟ فمعنى ذلك أنه لابد أن تؤمن بعناصر الإيمان المذكورة وتؤمن كذلك بالحساب يوم القيامة، ولذلك لابد من مناقشة قضية العقيدة نقاشاً واضحاً مقنعاً:
﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) ﴾
(سورة الزخرف)
المعجزات مقبولة عقلاً لكنها غير مقبولة عادةً:
سيدنا عيسى نبيٌّ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام عُبِدَ من قبل النصارى من دون الله، فلما قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ﴾
(سورة آل عمران 59)
إذاً لا تعجبوا من أن يخلق الله إنساناً من غير أبٍ ! فالله على كل شيء قدير، أن يخلق الإنسان من دون أب فهذا شيء غير مألوف، لكنه مقبول عقلاً لأن الذي خلق الكون من عدم، الكون بأكمله، والمجرات بأكملها، مليون مليون مجرة، في كل مجرة مليون مليون نجم، هذا الكون بأكمله خلق من عدم، أيعجز الله عز وجل أن يخلق إنساناً واحداً من غير أب ! فالمعجزات مقبولة عقلاً لكن غير مقبولة عادة، فلماذا عُبِد من دون الله ؟ لأنه من دون أب، من دون أب كمثل آدم فسيدنا آدم خلق من دون أب وأم، السيدة حواء بلا أم، سيدنا عيسى بلا أب، بينما البشر العاديون من أب وأم، أربع حالات موجودة، تتعلق بخلق الإنسان، ويستفاد منها أن السبب يقترن مع المسبب، وليس خالقاً له.
الأسباب تقترن مع النتائج ولا تخلقها:
لما ربنا عز وجل خلق هذه القوانين ليُعْلِمنا أن الله هو الخالق وليس السبب هو الذي يخلق، الإنسان حينما يبتعد عن الله عز وجل يتوهم أن الأسباب تخلق النتائج، لكن علماء العقيدة يرون أن الأسباب تقترن مع النتائج ولا تخلقها، والدليل أن السبب قد يختلف، وتأتي النتيجة صحيحة، كسيدنا عيسى، فقد تخلف السبب وجاءت النتيجة، وقد توجد النتيجة بلا سبب، أو قد يوجد السبب ؛ كأم وأب كاملين ولا ينجبان أولاداً، إذ جعلهما الله عقيمين.
إذاً فحينما تخرق العادات فهذا من أجل أن نعلم أن السبب وحده لا يكفي لخلق النتيجة.
حينما يستخدم العقل لغير ما خلق له فهو كثير الجدل والمناقشة:
لذلك:
﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) ﴾
(سورة الزخرف)
معنى يصِدّون أي يضجرون، يصُدون أي ينصرفون، أما يصِدون أي يضجرون، هم ماذا أرادوا ؟ هم أرادوا أن آلهتهم خير من عيسى، وقالوا:
﴿وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ(58) ﴾
(سورة الزخرف)
نحن نعبد الملائكة، والملائكة أقرب إلى الله من البشر، ونحن ماذا فعلنا ؟ إذا كان النصارى قد عبدوا المسيح فنحن نعبد الملائكة.
﴿وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا(58) ﴾
(سورة الزخرف)
كلمة (الجدل) أيضاً أحب أن أقف عندها وقفة، العقل شيء ثمين جداً، لكن لو أن الإنسان اتبع شهوته سيجد أن لديه جهازاً خطيراً يستخدمه لتحقيق شهواته، لذلك فحينما يستخدم العقل لغير ما خلق له فهو كثير الجدل والمناقشة في الكلام وإظهار الحق باطلاً والباطل حقاً، وكل إنسان يتمتع بعقل وذكاء ولم يكن على هدى من الله عز وجل يستخدم هذا العقل لشهواته ومآربه واقتناص الشهوات وجمع الأموال وردّ الحق ورفع شأنه على الآخرين، العقل له نشاط ينقلك إلى أعلى عليين لو استخدمته وفق ما صنع له، وقد يودي بك إلى الهلاك إذا استخدمته لغير ما صنع له.
الآن هناك آلات طابعة تطبع الصورة الملونة غالية الثمن جداً يقترب ثمنها من مليون ليرة، هذه الآلة يمكن أن تستخدم استخدامات صحيحة وقانونية تجعلك من الأغنياء من خلالها، أما إذا استخدمتها لتزوير العملة فقد تودع في السجن، والآلة هي نفسها إن استخدمتها في الأغراض المشروعة اغتنيت منها وإن استخدمتها في الأساليب غير المشروعة أودت بك إلى السجن، فكيف العقل ؟!
المجادلة والافتراء و قلب الحق إلى باطل هذا كله نشاط عقلي ولكن لغير ما خلق له العقل:
فالمجادلة والمماحكة والإفك والافتراء وقلب الحق إلى باطل والباطل إلى حق وافتعال المبررات للصد عن سبيل الله، هذا كله نشاط عقلي ولكن لغير ما خلق له العقل.
﴿ وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) ﴾
(سورة الزخرف)
لنحتكم وإياكم للمنطق ؛ المنطق أتعجبون من أن عيسى بلا أب ونسيتم أن آدم بلا أب ولا أم:
﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ (59) ﴾
(سورة آل عمران)
فلم يعجبهم هذا المثل.
﴿وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ(58) ﴾
(سورة الزخرف)
هم يعبدون الملائكة، والملائكة أقرب إلى الله في زعمهم من البشر فماذا فعلوا هم ؟ قال:
﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا (58) ﴾
(سورة الزخرف)
الجدل سلاح المنحرفين والمنافقين:
بالمناسبة ما أضلّ الله قوماً بعد إذ هداهم إلا أوتوا الجدل، الجدل سلاح المنحرفين، سلاح المنافقين، سلاح الكفار، سلاح الفجار فمثلاً:
جاء أعرابي النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله عظني ولا تطل، بهذه البساطة، فتلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة:
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) ﴾
( سورة الزلزلة )
قال: كُفيت، آية واحدة اكتفى بها، فالنبي تأثر، قال: فقُه الرجل.
أيها الأخوة لو تبرأ الإنسان وتنزه عن مآربه الدنيوية وعن ترهات الجاهلية وعن أهوائه وعن مصالحه وابتغى الحقيقة لوجه الله عز وجل، فو الله لا تلَبّث في مناقشته لنفسه أكثر من دقيقة واحدة، فالأمور واضحة كالشمس، كون ينطق بوجود الله، وينطق بكماله، وينطق بوحدانيته، وينطق بقدرته، وكتابه بين أيدينا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنبياء كالشموس مثلٌ عليا، وقدوةٌ صالحة، ومنهجٌ واضح جداً، العقل يقبله والفطرة ترتاح له والواقع يؤيده والنقل يدعمه، ماذا بقي إلا التحرك نحو الله عز وجل، فماذا ننتظر ؟ النبي قال:
(( شمروا فإن الأمر جد، وتأهبوا فإن السفر قريب، وتزودوا فإن السفر بعيد ( يعني وقته قريب، ومسافته بعيدة ) وخففوا الأثقال فإن في الطريق عقبات كؤود، لا يجتازها إلا المخفون، يا أبا ذر جدد السفينة فإن البحر عميق، وأخلص النية فإن الناقد بصير))
على الإنسان أن يستقيم على أمر الله وأن يلتزم بمقتضيات الإيمان:
الإنسان لا ينبغي أن يتأخر، إن سمع الحق فليُشمِّر، وليؤد الصلوات، وعليه أن يستقيم على أمر الله، يراجع حساباته، يراجع بيته هل فيه مخالفة شرعية ؟ يراجع عمله، يتوب من ذنب اقترفه ليصلح ما أفسد، إذاً هناك حقوق عالقة فليؤدها قبل فوات الأوان، فأحياناً يصدر قانوناً يحرك البشر حركة مذهلة، ويصدر تصريحاً أحياناً في بيع وشراء، فيدفع الناس في حركة تعاملية نشيطة، ومشروع قانون قد يغير معالم التجارة كلها والله يقول لكم:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) ﴾
(سورة آل عمران)
أفلا تتحركون ؟ ويقول:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾
(سورة التحريم 8)
أفلا تبادرون. ماذا دهاكم ؟! فيجب أن تشمر وأن تبادر وأن تتحرك، لذلك قال سبحانه:
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾
(سورة الأنفال 72)
هو آمن ؛ لكنه لم يأخذ موقفاً عملياً، آمن لكنه لم يلتزم، آمن لكنه لم يحرك ساكناً، آمن لكنه قال: سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ليس باليد حيلة، هذا إيمان إبليسي لأن إبليس آمن وقال: فبعزتك، اعترف بوجود الله، وبأنه عزيز، ولكن تحرك حركة معاكسة لمقتضيات الإيمان.
الخطأ في العقيدة مستمر أما الخطأ في السلوك فمنقطع:
أيها الأخوة الكرام ليس المقصود تفاصيل هذه المناقشة بل المقصود أن تعتقد عقيدة صحيحة، لأن الخطأ في العقيدة مستمر أما الخطأ في السلوك فمنقطع، تغلط فتتوب، أما الذي يعتقد اعتقاداً فاسداً هذا كيف يتوب ؟ يظن أنه على حق.
﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) ﴾
(سورة الزخرف)
يضجرون، ويعجبون، وقالوا:
﴿وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) ﴾
(سورة الزخرف)
يعني الخصومة جزء من حياتهم، شريرون، يحبون الجدل بالتعبير العامي العيّ، المؤمن عملي في كل قضية، الصحابة الكرام الذين هم بتقييم النبي عليه الصلاة والسلام إذ قال خير القرون قرني الصحابة لم يلتفتوا إليها، ربنا عز وجل قال:
﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾
(سورة الفتح 18)
يجب أن ننظر إلى المضمون لا إلى الشكل:
بنص القرآن رضي الله عنهم فهم خيرة الخلق، وحققوا الهدف من خلقهم وكانوا مع نبيهم، فالموضوعات التي لم يهتموا بها ينبغي ألا نهتم بها، ينبغي ألا نخوض في خلافات، وفي مماحكات، وفي مناقشات، الحياة قصيرة لا تحتمل جدلاً ولا عيّاً، والأفكار فيها بسيطة جداً، خلاصتها هذا الإله خالق الكون وهذا كتابه وهذه سنة نبيه فماذا تفعل أنت ؟ تحرك يا أخي، تب إلى الله، اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ولا تقحم نفسك في خصومات وخلافات وجدل عقيم، وينقضي العمر وأنت في جدل لا طائل منه.
لو فرضنا ؛ أن إنساناً قرأ إعلاناً على الجدار لمنع التجول تحت طائلة إطلاق الرصاص، ثم وقف عند الإعلان هذا الخط رائع والحبر لامع والتوقيع جميل، بدأ يحلل هذا البلاغ إلى أن جاءت رصاصة فقتلته، انظر المضمون أولاً، أن تدخل إلى بيتك فقط، لكن اهتمامنا انصبَّ على الشكل حتى نسينا المضمون، الإنسان عليه أن يتحرك نحو النجاة، عليه أن يستقيم، واللهِ إن عدل ساعة أفضل من أن تعبد الله ثمانين عاماً، أن تستقيم على أمر الله كما قال أحد العلماء: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، (الدانق) عشر الدرهم يعني عشرين قرشاً سورياً، واللهِ لأن أمشي مع أخ في حاجته أفضل من صيام شهر مع اعتكاف في مسجدي هذا، كن عملياً، الدين بسيط ولكن نحن عقدناه، قضاياه بسيطة، وربنا رب النوايا، النبي الكريم كلما سئل في الحج قال: افعل ولا حرج.
التاريخ لا علاقة لنا به نأخذ منه الإيجابيات فقط:
ليس القصد أن تقصر، لا ؛ لكن لا تدخل في مجادلات وخلافات وفي مسائل، الخلاف بين الفرق الإسلامية هذا لا ينفعك، هدفك واضح، والطريق سالك للهدف، واترك أي مشكلة وراء ظهرك والغِ التاريخ كله من ذهنك وذاكرتك.
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(134) ﴾
(سورة البقرة)
انتهى الأمر، هذا التاريخ ليس لنا علاقة به، نأخذ منه الإيجابيات، نأخذ منه ما يحفزنا إلى البطولة، أما ما كان عبئاً علينا ندعه، العبء تركناه والحافز أخذناه، المنهج واضح أنا أريد أن تكون عملياً.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾
(سورة الأنفال 72)
هنا الهجرة تعني ترك الباطل، المهاجر من هجر ما نهى الله عنه، المشكلة أن على الإنسان أن يشمر وينطلق إلى الله طالباً النجاة.
﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ(50)﴾
(سورة الذاريات)
وقال:
﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) ﴾
(سورة الزخرف)
العبرة بالتطبيق والقصد أن تتبع منهج الله عز وجل:
حبُّ المناقشة، والحوار، والمجادلة، والمماحكة تجري في عروقهم، والأخذ والرد وقيل وقال، قال رسول الله:
(( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا ؛ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ))
[ متفق عليه عن المغيرة بن شعبة ]
يجب أن نعرف الصحابة الكرام بماذا ارتقوا ؟ كيف رضي الله عنهم ؟ كيف أحبوا النبي حباً جماً ؟ كيف فدوه بأرواحهم وأموالهم ؟ اتبعوا المنهج، لكن نحن لا نتبع المنهج ومازلنا نناقش، تجده يؤيد العالم الفلاني لا الفلاني، والدعوة الفلانية لا الفلانية، يخوض في أعراض العلماء وهو لم يطبق شيئاً من دعواتهم كلهم، فكل واحد دعاك إلى الله على العين والرأس، دعاك إلى الله وفق منهج الله فلا تعقد الأمور، ولا تعمل انتماءات، وتطعن بهذا، وتسوء سمعة هذا، وتخطئ هذا، ليس هذا هو القصد، القصد أنهم كلهم يشرحون منهجاً موحداً هو الكتاب والسنة بأساليب متنوعة، العبرة بالتطبيق، ممكن أن تكون عند أعظم داعية ولا تكون مطبقاً، فمع رسول الله وعلى يساره كان يجلس أحد المنافقين، فلما مات قال: أريد قميص رسول الله ليكفن به، فأعطاهم الرسول قميصه وقال: ما يغني عنهم من الله شيئاً، لقد استقر في جهنم حجراً كان يهوي به سبعين خريفاً، لكن صحابي طلب قميصه، فسألوه لماذا ؟ قال: إذا جاء الملكان وقالا: من نبيك ؟ قلت: هذا قميصه.
القصد إذاً ؛ لا هذه المظاهر، ولا القصد السلوك الذي يبوئك مكانة ما، بل القصد أن تكون مخلصاً لله عز وجل، طاهر النية، طاهر السريرة، مطبقاً لمنهج الله فالإسلام يبدو لك بسيطاً، نحن عقّدنا الإسلام حتى أصبح فرقاً، وشيعاً، ومذاهب، واتجاهات، وخصومات، وأدلة القرآن والسنة بين أيدينا، والكون ينطق بوجود الله، وعظمته، والله فطر الإنسان فطرة تؤهله للمعرفة الصحيحة.
﴿بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)﴾
(سورة القيامة)
ابتعد عن الخصومات الفكرية وكن عملياً:
قد يجد شخص أمامه خمسمئة ليرة فينحني ليتناولها وفي نيته أن يبحث عن صاحبها إذاً هو في عبادة لله، بينما إنسان آخر ينحني ليتناولها وفي نيته أن يأخذها لنفسه فهو عاصٍ، الشكل واحد لكن اختلفت النوايا، قال سبحانه:
﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) ﴾
(سورة الزخرف)
التعبير العامي (العيّ)، قال رسول الله:
(( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا ؛ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ))
[ متفق عليه عن المغيرة بن شعبة ]
أنت كن عملياً وواقعياً والتزم ودعك من كل الخصومات الفكرية، فإنها ترهات جاهلية.
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ(59) ﴾
(سورة الزخرف)
بالنبوة وهذه نعمة عظمى.
﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33) ﴾
(سورة آل عمران)
أنعمنا عليه بالنبوة، أيدناه بالمعجزات.
﴿ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) ﴾
(سورة الزخرف)
جعلناه مثلاً لقدرتنا، كن فيكون من دون أب، وجعلناه مثلاً للحياة بعد الموت.
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) ﴾
(سورة الزخرف)
نحن جميعاً في قبضة الله كن فيكون:
أنتم أيضاً في قبضة الله، كن فيكون، زل فيزول، يمكن أن نذهب بكم جميعاً وأن نأتي بملائكة مكانكم ولا تضرونه شيئاً:
﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) ﴾
(سورة فاطر)
وقال:
﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ(38) ﴾
(سورة محمد)
بمجموعكم خمسة آلاف مليون بشر، كن فيكون، زل فيزول، بادوا وانتهوا وجعلنا مكانهم ملائكة.
الموت نوعان ؛ موت في النوم وموت عن طريق ملك الموت:
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ﴾
(سورة الزخرف)
الهاء تعود على سيدنا عيسى، في هذه الآية أقوال كثيرة، من هذه الأقوال أن القرآن الكريم ينبئ بقيام الساعة، أو أن سيدنا عيسى مجيئه في آخر الزمان مرتبط باقتراب الساعة، لأن سيدنا عيسى لم يمت بعد.
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
(سورة آل عمران 55)
فسيدنا عيسى ما مات الموت الأبدي، الموت نوعان ؛ موت في النوم، وموت عن طريق ملك الموت.
﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ(11)﴾
(سورة السجدة)
وقال:
﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾
(سورة الزمر 42)
فالوفاة التي وصف بها سيدنا عيسى وفاة النوم، وسوف يعود إلى الدنيا في آخر الزمان، وهذا شيء ثابت في القرآن.
﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ﴾
(سورة الزخرف)
ولكن عَلَم الساعة إذا ظهرت العلامات الكبرى والصغرى، فإذا ظهرت هذه العلامات اقترب معها مجيء سيدنا عيسى.
على المؤمن أن يتنبه حتى لا يصده الشيطان عن سبيل الله:
قال تعالى:
﴿وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(62)﴾
(سورة الزخرف)
أي لا يصدنكم الشيطان عن سبيل الله عز وجل، لأن الإنسان حينما يكون على الإيمان يأتيه الشيطان ليصده عن هذا السبيل، فيقول أنا قبل أن أتوب ليس عندي أي مشكلة، طبعاً لأنك كنت موافقاً للشيطان وهو راضٍ، هذه الآية مما يزعج الشيطان، من الطبيعي أن الإنسان عندما يسلك طريقاً إلى الله عز وجل تتوارد على قلبه خواطر كثيرة فيحتار في أمره، لأن الشيطان بدأ عمله، وعمله مثل اللقاح يأتي مخففاً فيعطيك مناعة، لا أحد يتألم من خاطر شيء أو شبهة طرحها الشيطان، هذه كاللقاح تماماً، جراثيم مخففة من أجل أن ينتج الجسم مصلاً واقياً من هذه الجراثيم، أما المؤمن فإذا خطر بباله خاطر وتألم لهذا الخاطر، فهذا دليل على أن هذا الخاطر هجين عليه أولاً، وثانياً هذا الخاطر يبحث عن جواب محكم لهذه الشبهة فيزداد إيمانه، تتكون لديه قدرة ليرد أي خاطر آخر.
﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(64)﴾
(سورة الزخرف)
المعجزات تأتي لتوافق طبيعة العصر:
سيدنا عيسى جاء بالبينات، من البينات إحياء الميت، وأنه أبرأ الأكمه والأبرص كذلك بإذن الله، طبعاً إذا الله عز وجل أرسل نبياً فهذا النبي يحمل للناس منهجاً، والمنهج يحد من شهوات الناس، ومن انحرافاتهم، ومن طغيانهم، فالإنسان لما يحد من انحرافاته صار عنده سبيل للدفاع عن نفسه فلا يكذب النبي ولا يقاومه، بل يصغي إليه ويقبل منه.
فلابدّ من معجزات يؤيد الله بها أنبياءه، المعجزات توافق طبيعة كل عصر، لو فرضنا أن عصراً لا يهتم بالطب، والنبي جعلت معجزاته طبية فلن يفهم أحد منها شيئاً، فليس لها قيمة، إذاً لا بدّ من معجزة في موضوع تفوقَ فيه عصر ذلك النبي.
وفي زمن سيدنا موسى ؛ كان السحر متفوقاً جداً، فجاء فرعون بالسحرة الذين أتوا بحبال وعصي جوفاء، طبعاً أتوا بأفاعٍ وضعوا فيها زئبقاً، ووضعوها على سطح ساخن، فالزئبق تمدد، ولما تمدد الزئبق تحركت الحبال والعصي كالأفاعي، عمل السحرة مهارة وإتقان قال تعالى:
﴿ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) ﴾
(سورة الشعراء)
وعلت الدهشة الوجوه، ووجم السحرة، إنها أفعى حقيقية وليست زئبقية، لأن هذا ثعبان مبين أكل كل هذه الأفاعي التي اصطنعها السحرة، فالسحر كان يومها متفوقاً جداً، فكانت المعجزة حية أو ثعباناً انقلب عن عصا موسى وهزم السحرة وانقلبوا صاغرين:
﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) ﴾
(سورة الشعراء)
في زمن سيدنا عيسى كان الطب متفوقاً، أما الطبيب مهما كان متفوقاً فإن مات شخص وطلب من الطبيب إحياءه فيقول: هذا ليس من شأني، وفوق طاقتي، بل هذا لله.
إن الطبيب له عـلم يدل بـه إن كان للناس في الآجال تأخـــير
حتى إذا ما انتهت أيام رحلته حار الطبيب وخـانتــه العقاقيـر
* * *
هذه فوق طاقة البشر إذ لا يستطيع طبيب أن يحيي ميتاً، فسيدنا عيسى أحيا الميت، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، هذه أمراض مستعصية، وأنبأ الناس بما في بيوتهم من مدخرات، فهذه بينات واضحة جاءت بأدلة لتدل على أنه نبي من عند الله عز وجل.
الحكمة كلام الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه:
قال تعالى:
﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ(63) ﴾
(سورة الزخرف)
الحكمة يعني الإنجيل، الكلام الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، الحكمة كلام الله عز وجل، ما هذه الحكمة ؟ كلام واقعي منطقي صحيح، الإنسان إذا طبقه قطف نتائجه، أجل هذه هي الحكمة.
﴿ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ(63) ﴾
(سورة الزخرف)
وكلما سئل سيدنا عيسى من قبل بني إسرائيل عن قضايا خلافية بينهم مما في توراتهم فإنه يبين هذا الذي اختلفوا فيه، أما كلمة (بعض) أي أنه أجاب عن كل سؤال سئل عنه لكن هناك خلافات ما أجاب عنها لأنه لم يسأل عنها.
﴿ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) ﴾
(سورة الزخرف)
وقال:
﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ(116)مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117)إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(118) ﴾
(سورة المائدة)
الخلاف ليس من النص بل من النفوس الضعيفة:
وقال:
﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ(65) ﴾
(سورة الزخرف)
الخلاف فيما بينهم حسداً وظلماً وعدواناً واستعلاءً، والخلاف ليس من النص بل من النفوس (وهذه آية دقيقة جداً) القرآن الآن واحد والسنة واحدة، والخلاف خلاف حسد، خلاف كبر، خلاف بغي، خلاف عدوان، خلاف مصالح، ما عليه المسلمون اليوم من خلاف لا يعود إلى أصل دينهم، و لا إلى نصوصهم المقدسة، بل يعود إلى نفوس ضعيفة، هذه نقطة مهمة جداً، الخلاف بين المسلمين دليل انحرافهم، دليل بعدهم عن الدين، لو أنهم أخلصوا لاتفقوا، ولو أنهم أخلصوا لاتحدوا، طبعاً الخط المستقيم بين نقطتين يمر وحده، ولا خط غيره، أريد خطاً ثانياً يأتي فوقه تماماً، وكذلك الثالث فوقه تماماً، لو رسمت ألفَ مليون خطٍ مستقيم بين نقطتين فكلها تتطابق، لأن الحق واحد لا يتعدد، لكن الباطل يتعدد.
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
(سورة الأنعام 153)
السبل جمع سبيل.
﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾
(سورة البقرة 257)
الخلاف بين المسلمين ليس بسبب دينهم بل بسبب مصالحهم وانحرافاتهم:
والظلمات جمع، والنور مفرد، فالحق لا يتعدد، إذاً الخلاف أساسه الحظوظ النفسية، أساسه البغي، العدوان، الكبر، الحسد، المصالح المادية هذه تصنع الخلاف، أما الدين فهو واحد والقرآن واحد والسنة واحدة والهدف واحد والمنهج واحد والدستور واحد، فالخلاف الذي بين المسلمين الآن ليس بسبب دينهم لا، بل بسبب مصالح وأهواء وانحرافات وأمراض نفسية وكبر وحسد.
﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ(65) ﴾
(سورة الزخرف)
من بينهم خلاف داخلي أسبابه أسباب أرضية وليست علوية.
﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) ﴾
(سورة الزخرف)
ظلموا الحقيقة، ظلموا أنفسهم، تكلموا بغير الحق، لمصالح، لمكاسب، الله عز وجل يتوعد هؤلاء بعذاب يوم أليم.
﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) ﴾
(سورة الزخرف)
من يفتي بخلاف ما يعلم فهو آثم عند الله أكثر ممن يفتي بلا علم:
رجل في بلد إسلامي أفتى بمعصية، خرَّجها وعللها بتعليلات ملفقة، دخل عليه شخص (حدثني مباشرة بلسانه) وهو على فراش الموت، رفع يديه إلى السماء وأشهد الله أنه بريء من كل فتوى أفتى بها سابقاً، متى ؟ بعد فوات الأوان، فالإنسان وهو حي يجني مكاسب، ومطامع، ورغبات، ومالاً، ومظاهر، ومكانة علية، لكن حينما يقول ما ليس بحق، يفتي بخلاف ما يعلم، هناك من يفتي بلا علم هذا آثم عند الله، لكن إثمه أقل من الذي يفتي بخلاف ما يعلم، يعلم الحقيقة ويفتي خلافها لحظ دنيوي، قال سبحانه:
﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) ﴾
(سورة الزخرف)
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( بادروا إلى الأعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا ))
[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
لو أردنا الدنيا وحدها فما المغنم ؟ لو أعرض الإنسان عن الله وعن دين الله ولو انكب على الدنيا فماذا في الدنيا من مغانم ؟ هذه كلمة خطيرة جداً جعلتها محوراً لدرس طويل وهي: ثم ماذا ؟ صرت غنياً وبعدها على باب صغير، صرت قوياً وبعدها إلى القبر، صرت أعلى درجة علمية ثم ماذا ؟ هذه (ثم ماذا) تقصم الظهر، ثم ماذا بعد الغنى إلا القبر، ماذا بعد القوة إلا القبر، طبعاً القول الشهير: كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت، الليل مهما طال فلا بدّ من طلوع الفجر، والعمر مهما طال فلا بدّ من نزول القبر.
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فـإذا حملت إلى القبور جنازة فـاعلم بأنك بعدهـا محمول
* * *
المؤمن يتفوق إذا بقيت لحظة اللقاء مع الله في ذهنه دائماً:
ذكرت لكم في درس سابق أنهم سألوا طالباً نال الدرجة الأولى على جميع طلاب القطر: ما سبب هذا التفوق ؟ قال: لأن لحظة الفحص لم تغادر مخيلتي طوال العام، أعجبتني هذه الكلمة، وأنا أقول لكم المؤمن يتفوق إذا بقيت لحظة اللقاء مع الله دائماً في ذهنه، قبل أن يتكلم بأية كلمة يقول بينه وبين نفسه ماذا أقول لله إذا سألني لم تكلمت بكذا وكذا ؟ لم أقمت هذه العلاقة ؟ لم أعطيت ؟ لم منعت ؟ لم خاصمت ؟ لم طلقت ؟ فكل حركة وسكنة سوف تُسأل عنها يوم القيامة:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93) ﴾
(سورة الحجر)
وقال:
﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) ﴾
(سورة الزخرف)
هل هناك أحد مات وتوقع الموت قبل أن يموت ؟ قليل ما هم، قد يكون إنسان في ذهنه مشاريع، فمثلاً قال أحدهم: مدخل البيت غير لائق فرتب، ودهن، ووضع تزيينات، ووضع مزروعات، إلى أن انتهى من عمله هذا، ثم توفي فكان هذا المدخل مناسب جداً للذين يعزون بوفاة هذا المتوفى، فالموت يأتي بغتةً، والقبر صندوق العمل، لذلك:
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
[ أخرجه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة ]
هذه سبع نهايات لا بدّ من إحداها، سبع نهايات لمن أراد الدنيا، أما لمن أراد الله:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(51) ﴾
(سورة التوبة )
من تعلّم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت:
لن يأتيك إلا الخير، يعني من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت، أما أرذل العمر فهذه لغير المؤمنين، إن المؤمن ليتألق تألقاً ما بعده تألق كلما تقدمت به السن.
﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ﴾
(سورة الزخرف)
هذه آية دقيقة الدلالة جداً، سنقف عندها وقفة مطولة في الدرس القادم إن شاء الله.
﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ﴾
(سورة الزخرف)
يعني هناك خلة أساسها المعصية والمصلحة، وهناك خلة أساسها الطاعة والإيمان، فالخلة التي أساسها الطاعة والإيمان هذه لا تتأثر، ولا تتبدل، ولا تتغير.
﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ﴾
(سورة الزخرف)
فادعوا الله أن يجعل علاقاتنا علاقات إيمان، هذه علاقاتٌ ثابتة لا تتأثر لا بالمصالح ولا بتقلبات الظروف ولا بتغيرات الأحوال.
الصداقة والأخوة التي أساسها معرفة الله وطاعته لا تتأثر بالظروف والأحوال:
وعدتكم أنه في الدرس القادم نقف عند هذه الآية، لكن الخلة هي الصداقة والمودة، العلاقة بين اثنين إذا كانت أساسها المصلحة والشهوة هذه تنقلب إلى عداوة مع انقطاع المصلحة والشهوة، أما الصداقة والأخوة التي أساسها معرفة الله وطاعته هذه علاقة تتنامى وهي أثبت من كل شيء، ولا تتأثر أبداً بالظروف والأحوال، لذلك فالمؤمنون كما قال عليه الصلاة والسلام:
((المسلمون كالرجل الواحد إذا اشتكى عضو من أعضائه تداعى له سائر جسده))
(كنز العمال 759)
أما غير المؤمنين علاقتهم بحسب المصالح، إذا كان هناك مصالح فهناك علاقة بينهم، وإذا انقطعت المصالح انقلبت هذه العلاقات إلى عداوات، وأما المصالح أو الشهوات، فمثلاً قد يكون بين زوجين حب أساسه قضاء حاجة كل منهما من غير روابط إيمانية، فإذا ما في إيمان وأصيب الزوج أو الزوجة بمرض أو افتقر أحدهما قامت بينهما عداوة، إن عالم الإيمان عالم رائع جداً، لا يتأثر الإيمان وعلاقات الإيمان بأي متغير، المتغيرات لا تقدم ولا تؤخر، لأن أساس العلاقة الإيمانية شيء متين، فلها جذور بعيدة في تربة القلوب الصادقة.
والحمد لله رب العالمين
0 تعليق على موضوع "فاستخف قومه فأطاعوه . إنهم كانوا قوما فاسقين"
الإبتساماتإخفاء