تعتبر هذه المقالة تتممة لمقالة ( الحمض النووي و الكروموزومات )
كان ( توماس هانت مورجان ) أحد علماء الأحياء الذين يدرسون الكائنات الحية. و أثناء دراسته لنوع من الذباب يسمى ( الدروسوفيلا ) و هي المعروفة لدينا باسم ذبابة الفاكهة – تتميز ذبابة الفاكهة بعيونها الحمراء و باحتواء نواة خلاياها على 4 أزواج من الكروموزومات – لاحظ وجود ذكر بعيون بيضاء ثم قام بعزل هذا الذكر و تزويجه بأنثى ذات عيون حمراء, فظهر نتيجة لهذا التزاوج جيل بعيون بيضاء, لكن الملاحظة الذكية لمورجان هو أن ذكور هذا الجيل فقط هي التي ورثت صفة العيون البيضاء, أما الإناث فعيونها حمراء, فاستنتج أن امتلاك العيون البيضاء يختص به جنس الذكور فقط. النتيجة التي توصل إليها ( مورجان ) هو أن من بين 4 أزواج الكروموزومات يوجد زوج واحد مسؤول عن الجنس و أن صفة ظهور العين البيضاء توجد في هذه الكروموزومات الجنسية. تمكن ( مورجان ) بعد ذالك من العثور على أجزاء كروموزومات الذباب المسؤولة عن خصائصها, كلون الجسم و حجم الجناح و لون العين.
في سنة 1922م, تمكن العلماء من رسم أول خريطة للكروموزومات تظهر موقع 2000 خاصية مختلفة. و أطلقوا اسم الجينات على هذه الأجزاء من الكروموزومات. و كانت قفزة علمية مهمة. إن الجينات هي القواسم المشتركة للعائلة, و هي الوصلة الحيوية بين الأب و الإبن و الحفيد.
كان الطبيب ( فريد جريفيث ) يعمل في وزارة الصحة في ( لندن ) عندما كان يدرس نوعا من البكتيريا وحيدة الخلية تهاجم جسم الإنسان و تتكاثر بداخله. فتساءل عن سبب وجود بكتيريا ممرضة و أخرى نافعة للإنسان. باستعمال فئران مخبرية لدراسة فصائل بكتيرية مختلفة , قام باختبار البكتيريا على الفئران , قام بأخذ محلول بكتيريا مسؤولة عن الإلتهاب الرئوي و تسخينه معتقدا أن الحرارة ستقتل هذه البكتيريا, و كما هو متوقع عندما قام بحقن الفئران بهذه البكتيريا لم تظهر عليهم أعراض الإلتهاب الرئوي. بعد ذالك صنع ( جريفيث ) خليطا من البكتيريا الميتة المسؤولة عن الإلتهاب الرئوي مع بكتيريا أخرى حية نافعة, ثم حقن الفئران بهذا الخليط, فوجد أن الفئران أصيبت بالإلتهاب الرئوي و ماتت, و عند فحص هذه الفئران وجد البكتيريا القاتلة في دمها. استنتج ( جريفيث ) أن شيئا ما انتقل من البكتيريا الميتة إلى البكتيريا الحية و حولها إلى بكتيريا ضارة.
أثارت النتائج التي توصل إليها ( جريفيث ) عالم أحياء آخر اسمه ( أوزوالد أفري ), فقرر معرفة سبب تحول البكتيريا النافعة إلى بكتيريا ضارة تسبب الإلتهاب الرئوي. شرع ( أفري ) بالعمل على هذا الأمر قرابة عقد من الزمن في معهد ( روكيفيلر ) بنيويورك, مستعملا أحدث الطرق في الكيمياء الحيوية. إن البكتيريا هي خلايا تحتوي بداخلها على البروتينات و الكربوهيدرات و الدهون, فقام بدراسة البكتيريا المسببة للإلتهاب الرئوي لمعرفة الجزيء الذي يحتوي على الخصائص المميتة. فقام بإزالة الكاربوهيدرات ثم الدهون ثم البروتينات ليصل إلى أن هذه الجزيئات ليست مسؤولة عن الخاصية المميتة. انتقل ( أفري ) لدراسة الحمض النووي لهذه البكتيريا, فوجد أنه عند إزالة الحمض النووي تختفي الخاصية المميتة. و الخلاصة أن الحامض النووي هو الذي يدير عمل الخلايا.
إن الحمض النووي يتألف من كروموزومات, و هذه الأخيرة تتألف من جينات, و لمعرفة تركيب الحمض النووي تم التداخل بين علم الأحياء و علم فيزياء الذرة باستعمال الأشعة السينية. هذه الأشعة تستعمل لدراسة تركيب الجزيئات, فالأشعة السينية موجة كهرومغناطيسية لها طول موجة مقارب لطول المسافة الفاصلة بين الذرات في الجزيئات, و عندما تصطدم الأشعة السينية بالجزيء تحدث ظاهرة الحيود و هي انحراف الأشعة عن طريقها الأول لتجتاز الجزيء منحرفة عن طريقها. و من خلال انحراف الأشعة السينية يمكن معرفة ترتيب الذرات داخل الجزيء. لذا جاء الدور على خبيرة في التصوير بالأشعة السينية اسمها ( روزالند فرانكلين ) و التي قامت بعمل دقيق للغاية و هو الحصول على شريط الحمض النووي الذي يبلغ قطره جزء من 10 أجزاء من الملم و عزله و لصقه بكاميرا خاصة تعطي صورا بالغة الوضوح. عند تشغيل الأشعة السينية تمكنت ( فرانكلين ) من الحصول على صور دقيقة للحمض النووي مكنت من حساب المسافات الموجودة بين الذرات.
تتممة لعمل ( فرانكلين ) تمكن العالمان ( جيمس واطسون ) و ( فرانسيس كريك ) من معرفة تركيب الحمض النووي و ذالك سنة 1953م. إن الحمض النووي يتكون من شريطين من السكر و الفوسفات ملتفين بشكل لولبي, و كل شريط يحتوي على أربعة أنواع من الجزيئات: الأدنين ( A ) و و الثايمين ( T ) و السيتوسين ( C ) و الجوانين ( G) التي تسمى قواعد. إن الجزيء ( A ) الموجود على أحد الشريطين يرتبط دائما بالجزيء ( T ) الموجود في الشريط الآخر, و الجزيء ( C ) يرتبط دائما مع الجزيء ( G ).هذا التزاوج يتكرر ملايين المرات داخل الحمض النووي ليكون سلما داخل اللولب المزدوج.
أثناء انقسام الخلية ينفصل شريطا الحمض النووي عن بعضهما, و يتكون لكل شريط زوجه الثاني, لتتكون نواتان تتضمنان نسخة مطابقة للأصل للحمض النووي, فدائما الجزيء ( A ) يتزاوج مع الجزيء ( T ) و الجزيء ( C ) يتزاوج مع الجزيء ( G ), و هكذا تنتقل نسخة مطابقة للحمض النووي من خلية لأخرى. هذا الحمض النووي الذي يحتوي على معلومات مشفرة تعطي الأوامر للخلية بصنع ملايين الجزيئات التي تبني الخلايا.
0 تعليق على موضوع " الجينات و تركيب الحمض النووي"
الإبتساماتإخفاء