قصر عمرة أحد المعالم الأموية الخالدة في صحراء الأردن

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0
قصر عمرة أو قصير عمرة أحد المعالم الأموية الخالدة في صحراء الأردن، وقد بناه الخلفاء الأمويون في الصحراء ليذهبوا إليها من أجل الصيد والقنص والراحة بعيدًا عن صخب المدينة ومسؤولية الحكم، أو إشتياقهم إلى حياة البداوة التي جاؤوا منها.

 
موقع قصر عمرة الجغرافي:
يعد قصر عمرة هو الأكثر شهرة بين القلاع الصحراوية الواقعة في الوقت الحاضر شرق الأردن في محافظة الزرقاء، ويبعد نحو 85 كيلومترا (53 ميلا) من العاصمة عمان.

 
\تاريخ بناء قصر عمرة:
ويرجع تاريخ بناء قصر عمرة خلال القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي، حيث بُني في وقت ما بين 705 و715م، أي خلال حقبة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (86 - 96هـ)، وقد استمرت زخرفة القصر حتى عهد الخليفة هشام بن عبد الملك ( 105 - 125هـ/ 723 - 742م )، وهو يعتبر واحدا من أهم الأمثلة للفن الإسلامي المبكر والهندسة المعمارية.

وفي كثير من الأحيان يطلق على القصر "قصير عمرة"، لأنه مبنى صغير نسبيا مقارنة بالقصور والقلاع الفخمة التي كان يتم تشييدها خلال هذه الحقبة، ويُقال إن القصر كان يستخدم لرحلات صيد بني أمية، ومقرا لاستراحة الأمراء الأمويين.

اكتشاف قصر عمرة:
وقد بقي القصر منسيا في الصحراء إلى أن اكتشفه فريق من علماء الآثار يترأسهم الهنغاري الويز موزيل عام 1897م، وقام بترميمه علماء من المتحف الوطني الإسباني، كما درسه العالم كريزول والبعثة الإسبانية عام 1975م، وأدرج ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو عام 1985م. وعندما شيد هذا القصر الصغير كان هناك نهر وبجانبه هضبة صغيرة بني القصر عليها، وقد تم اكتشاف قصور وقلاع أموية أخرى في البادية الأردنية، منها المشتى والخزانة والحلابات والطوبة وحمام الصرخ.

وصف قصر عمرة:
ويوصف قصر عمرة بأنه يشبه القلعة أو الحصن في تصميمه الدخلي، حيث كان يستعمل كحصن ويضم حامية حربية لمواجهة التهديدات، بالإضافة إلى أنه كان مسكنا مؤقتا للخلفاء والأمراء الأمويين، عند الخروج للاستجمام ورحلات الصيد في الصحراء، ويحتوي القصر على لوحات جدارية تزين الجدران والسقوف في الداخل، بالإضافة إلى رسومات تصور رحلات صيد أمراء الأمويين، مثل: رجال على أحصنة يطاردون غزلانا وحميرا وحشية وأسودا، وتعدّ قاعة الاستقبال والحمام من أفخم وأجمل معالم قصر عمرة، لا سيما وأنهما مزينان بالكثير من الرسومات الجميلة والتعبيرية.

وتم تشييد القصر من الحجر الجيري والبازلت، وهو عبارة عن قاعة استقبال كبيرة مستطيلة، مقسمة إلى ثلاثة أروقة، لكل رواق قبو نصف دائري، وسقف مقبب ثلاثي فوق المدخل الرئيسي على الواجهة الشرقية، بينما تضم الأجنحة الغربية خزائن صغيرة أو القباب.

ويحتوي القصر على غرفتين صغيرتين تطلاّن على حديقتين كانتا تستخدمان للقيلولة، ويوجد أيضا حمام فاخر داخل القصر مجاور لقاعة الاستقبال، ويتكون من ثلاث قاعات: باردة وفاترة وساخنة، وتحتوي ساحة القصر على بئر ماء يصل عمقها إلى 40 مترا وبقطر 1.8 متر، وكان يمتلئ في موسم هطول الأمطار، وعن طريقه البئر كان يتم ملء خزان القصر، حيث تنساب المياه إلى نافورة وحمام القصر.

وتشير آثار الجدران الحجرية المستخدمة التي تحيط بموقع قصر عمرة، إلى أنه كان جزءا من مجمع تصل مساحته إلى 25 هكتارا (62 فدانا)، وهناك بقايا لقلعة كانت تضم حامية من الجنود، ومع عوامل التعرية أصبح قصر عمرة في حالة فقيرة بين القلاع الصحراوية الأخرى مثل قصر الحرانة، حيث تضررت الكتابة على الجدران، وبعض اللوحات الجدارية ضاعت ملامحها، ومع ذلك، فإن القصر يضم بقايا أثرية تجسد مثالا رائعا لنوع من البناء والهندسة المعمارية التي توضح مرحلة هامة في تاريخ البشرية.

ويضم القصر لوحات جدارية، أبرزها لوحة تجسد امرأة عارية تقف على حافة حوض استحمام وخلفها رجل، بالإضافة إلى لوحة أخرى تضم ستة ملوك، وهم: إمبراطور الصين، والحاكم الساساني الفارسي، والإمبراطور البيزنطي، ونجاشي الحبشة، والملك القوطي رودريك، والخاقان التركي.

ويشير مؤرخون إلى عدم وضوح معنى لهذه اللوحة أو سبب وجودها في قصر أموي، لكنها قد تشير إلى تفوق الخليفة الأموي على أعدائه من الإمبراطوريات الأخرى خلال هذه الفترة، كتبت أسماء هؤلاء الملوك باللغتين العربية والإغريقية، فضلا عن العديد من الصور التي تجسد مرحلة هامة في تاريخ الدولة الأموية والإمبراطوريات القائمة خلال هذه الحقبة.

وفي غرفة تغيير الملابس زينت بمشاهد للحيوانات وبعض الأنشطة البشرية، وخاصة أداء الموسيقى، وهناك صورة واحدة غامضة لملاك على شكل الإنسان يحدق في السماء، كما توجد ثلاثة وجوه على السقف تمثل مراحل الحياة، وفسرها المسيحيون في المنطقة أن الوجه الأوسط هو يسوع المسيح، وعلى جدران وسقف الحمام الساخن، مشاهد من النباتات والأشجار مشابهة لتلك الموجودة في الفسيفساء في الجامع الأموي في دمشق، وصور أخرى لبعض الإناث العاريات في أوضاع مختلفة.

يضم قصر عمرة أكبر مجموعة من الرسوم الجدارية التي بقيت لحد الآن، وهي مرسومة بالألوان المائية "الفريسكو" وبألوان متعددة،. وقد نشرت الرسوم الجدارية التي اكتشفها العالم موزيل للمرة الأولى في أكاديمية فينا "النمسا"، وكان الفنان ميليش الذي رافق العالم موزيل في زيارة لاحقة عام 1901م قد رسمها بالألوان، وهي تعتبر أفضل الرسوم الجدارية التي عثر عليها بالقصور الأموية نظرا لتنوعها ولدلالاتها التاريخية والعلمية ولأسلوب فنها. حيث امتازت هذه الرسوم بتنوع موضوعاتها والانتقال المفاجىء من موضوع إلى آخر التي متعت مشاهد الصيد والاستحمام والتمارين الرياضية وأوضاع المصارعة.

كما عثر على رسوم آلهة أسطورية إغريقية ، بالإضافة إلى مواضيع متميزة كمشهد لسماء مزينة بالنجوم والكواكب، ورسمت داخل قبة الغرفة الثالثة بالحمام وهي صورة رمزية للسماء وما فيها من أجرام وكواكب ويطلق عليها قبة النجو والأبراج.

وفي ساحة القصر هناك بئر ماء كان يتم رفع الماء منها بواسطة ساقية قديمة، وكان الماء ينساب في الممرات الفخارية تحت أرضية القصير لتدفئة البناء وفق نظام التدفئة المستخدمة في الوقت الحالي.

ويعتبر قصر عمرة الاموي تحفة فنية معمارية اسلامية نادرة في قلب الصحراء. بني القصر وسط إحدى المستوطنات الزراعية التي كانت في شرقي الأردن، وقد تهدمت معظم أقسام القصر، ولم يبق منه إلا الحمام، والقسم الخاص بسكن الخليفة.

ومن مميزات القصر نظام تدفئة الحمام، فهو نظام متقدم جدا فيه غرفة بخار ومغاطس وسخان ماء وفرن، ووظيفة برج الماء إخراج المياه العذبة من نافورة يحركها بغل إلى الصهريج، وهذا النظام يعد متقدما بالنسبة للعصر الذي تم بناؤه فيه، اذ اعتمد نظام الماء الساخن وتدفئة الحمام على الهواء الساخن الذي كان يمر تحت أرض الحمام، فيسخنها ويسخن أرض البرك والمغاطس المملوءة بالماء الحار، فتبقى المياه محتفظة بحرارتها دون أن تبرد.

إن أهمية قصير عمرة تكمن في الصور التي تغطي جدرانه، وهي تصوير عربي إسلامي وصل الينا، والتمسية الغريبة لهذا النوع من الرسم هو "الفريسكو" وهي إحدى الطرق الفنية التي استخدمها المسلمون في العصور الوسطى لزخرفة مبانيهم، وهي عبارة عن رسوم مائية مرسومة على الجص، وفي قصير عمرة نرى الرسومات تكسوا جدرانه وسقفه وقبابه، وقد استعملت فيها الألوان: الأزرق الزاهي والكميت الداكن والبني الفاتح والأصفر الكامد والأخضر المائل إلى الزرقة. واشتملت اللوحات على عدة موضوعات منها موضوع الصيد ويمثل قطيعا من الحمر الوحشية ينظر إلى الخلف، بينما تطارده الكلاب، ويطالعنا منظر فوق المدخل مباشرة فيه امرأة متوجة بعلامة النصر.

إن قصر عمرة في الأردن من أكثر القلاع التاريخية التي تمثل نموذجا للفن الإسلامي في التاريخ القديم، سواء من حيث الهندسة المعمارية أو تزيين جداريات القصر، من خلال الرسم الذي كان يطلق عليه وقتها "الفريسكو"، وهو أحد الطرق الفنية التي استخدمها المسلمون في العصور الوسطى لزخرفة مبانيهم بالألوان المائية، والتي امتازت بالتنوع والاختلاف والجرأة.
-----------------
المراجع:
- دائرة الآثار العامة، موقع وزارة السياحة والآثار الأردنية.
- موقع جريدة الدستور الأردنية.
- موقع ميدل ايست أونلاين.

0 تعليق على موضوع "قصر عمرة أحد المعالم الأموية الخالدة في صحراء الأردن"


الإبتساماتإخفاء