بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الكرام، مع موضوع جديد من موضوعات فقه السيرة النبوية،
الهدف من القصة القرآنية:
قد ذكرت لكم من قبل أن القصة اعتمدها القرآن الكريم كأسلوب في توضيح الحقائق،
فقال تعالى:
(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)
[سورة يوسف الآية: 111]
أي أن القصة إطار تعبيري له تأثير بليغ، فالقصة فيها حوادث، وفيها شخصيات، فيها حوار، فيها تحليل، قد نفهم من القصة أضعاف ما نفهم من الكلام المباشر، لذلك كما أنها أداة تعبيرية عالية جداً مؤثرة جداً فينبغي أن يعتمدها الآباء، والمعلمون والمرشدون، والدعاة، كذلك قد تكون القصة أخطر أداة لتدمير المجتمع، هي سلاح ذو حدين، فحينما تصور القصةُ الرذيلةَ على نحوٍ نعجب بها فإن مجتمعاً بأكمله قد يدمر بسبب هذا الإطار التعبيري، لكن حينما نقرأ قصة سيد الأنبياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، حينما نقرأ قصة القمم نسمو إليهم،
لذلك يبين الله للنبي عليه الصلاة والسلام أنه يثبت قلبك يا محمد بسماع قصة نبي دونك:
(وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)
[سورة هود الآية: 120]
إذاً: إذَا كان قلب سيد الخلق، وحبيب الحق يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه فلئن يزداد إيماننا، ويزداد قربنا من الله، وفهمنا لهذا الدين بسماع قصة سيد المرسلين.
ملاحظة ثانية أضعها بين يدي إخوتنا الكرام، وهي أنا القصة حقيقة مع البرهان عليها، أنها حدثٌ وقع حقيقةً، وقد أكدّت بوقوعها، لذلك هناك تجاذبات بين من يقول: هذه مثالية لا جدوى منها، وهذه واقعية حقيقية، جاء الإسلام بمثالية الواقعية، أو بواقعية مثالية، المثالية تُتهم بأنها حالمة، والواقعية تُتهم بأنها مقيتة، أما أن يأتي دين عظيم فيجعل من الواقع مثالياً، ويجعل من المثالية واقعاً فهذا الذي حصل.
لو قرأتم سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ـ ونحن نقرأها ـ لوجدتم أن هذا الإنسان بشر، لولا أنه تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، ونحن الآن مع إنسان يعيش معنا، يتحمل الضغوط نفسها، والمغريات نفسها، والعقبات نفسها، والصوارف نفسها، وينجو بدينه وإيمانه، هذا إنسان بطل، لكن تزداد قيمة بطولته بأنه يعيش معنا، ويتحمل الظروف نفسها، والمغريات نفسها، لذلك القصة دائماً مؤثرة جداً.
أحياناً قد تلقي على ابنك نصائح كثيرة جداً في الاستقامة، فإذا وصل إلى سمعه قصة إنسان لم يستقم فدُمر، فهذه القصة أبلغ من ألف محاضرة، لذلك أنا أُهيب بالآباء وبالمعلمين والدعاة إلى الله والمرشدين أن يعتمدوا القصة في توجيههم.
ركب مرة معي إنسان في المركبة، ولا يجمعني معه شيء، طلب أن أوصله إلى مكان قرب بيتي، قلت له: تفضل، أريد أن أعظه موعظة بليغة بشكل غير مباشر، ذكرت له هذه القصة، قلت له: هناك إنسان له أرض شمالي جدة، وهذا الإنسان لعله من البدو، لما توسعت جدة كثيراً، وامتدت طولاً وعرضاً اقترب البناء من أرضه، فنزل إلى مكاتب عقارية ليبيع أرضه متوهماً أن سعرها ارتفع كثيراً، المكتب الذي اشترى منه الأرض اشتراها بربع ثمنها، كان محتالاً كبيراً، هو صدق، وباعها بهذا الثمن البخس، وأنشِئ بناء على هذه الأرض من 12 طابقاً، والذين اشتروا هذه الأرض شركاء ثلاثة، الأول وقع من سطح البناء فنزل ميتاً، والثاني دهسته سيارة، انتبه الثالث، فبحث عن صاحب الأرض ستة أشهر حتى عثر عليه، وأعطاه أمثال القيمة التي دفعها، فقال له هذا البدوي باللغة البدوية: ترى أنت لحقت حالك، هذه قصة.
إن الله بالمرصاد، فإن لم تستجب فهناك تدمير.
أنا أقول لكم: القصة لها تأثير جداً فاعتمدوها في توجيه أطفالكم، واعتمدوها في توجيه شبابكم، ولعل قصة واحدة أبلغ من مئة محاضرة،
والله عز وجل يقول:
(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)
قصة النبي صلى الله عليه وسلم في غار ثور:
حينما تقرأ أن النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق دخل إلى غار ثور، ومعه الصديق، وقد أخذ بكل الأسباب من دون استثناء، لم يدع ثغرةً إلا سدّها، لم يدع احتمالا إلا وغطاه، لم يدع سبباً إلا أخذ به، وقد علّمنا درساً لا يُنسى في أخذ الأسباب، ويكاد المسلمون اليوم يدفعون ثمناً باهظاً لأنهم لم يأخذوا بالأسباب، والحقيقة أنه ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، ومن السهل جداً أن تأخذ بالأسباب، وأن تعتمد عليها، ومن السهل جداً أن تتواكل على الله زاعماً أنك متوكل، وليس هذا هو التوكل، لكن البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب:
1. فقد اختار خبيرًا للطريق،
2. وذهب مساحلاً على عكس توقع الخصوم،
3. وقبع في الغار أياماً ثلاثة،
4. وهيأ من يأتيه بالأخبار،
5. ومن يأتيه بالطعام والشراب،
6. ومن يمحو الآثار،
ومع ذلك وصلوا إليه.
أيها الإخوة، المعنى الدقيق من وصول المطاردين إليه يكمن في أن النبي عليه الصلاة والسلام لو أنه أخذ بالأسباب، واعتمد عليها لانهارت قواه حينما عثر عليه المطاردون، ولكنه أخذ بالسباب تعبداً لله عز وجل، فلما وصلوا إليه قال:
يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا
[مُتَّفَقٌ عَلَيْه]
إذاً أنت مكلف أن تأخذ بالأسباب، وأن تتوكل على رب الأرباب.
الرواية هنا: ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاث ليال تمكن المشركون خلالها من اقتفاء آثارهم إلى الغار، وقد بكى الصديق.
إخواننا الكرام، أقول هذا كثيراً: عندنا مساجد ضخمة جداً، عندنا كتب ومؤلفات وجامعات ومؤتمرات، ومهرجانات، عندنا كل شيء، لكن ينقصنا الحب، لكن المسلمين في الأعم الأغلب لا يحب بعضهم بعضاً، وهذا سبب ضعفهم، وهذا سبب فرقتهم.
فلذلك الصديق بكى، وأنت هل لك ولاء لإنسان؟ هل مِن إنسان تقدم كل ما تستطيع لعل الإسلام يقوى بكما؟ هل بينكما تعاون وتعاطف ورسالة وجدانية؟ لكن النمط السائد أن كل إنسان يشكك فيه، وكل إنسان يفسر عمله تفسير سيئًا، وكل إنسان تضعف الثقة به، وكل إنسان يفترى عليه، لذلك من علامات آخر الزمان أنه يكذب الصادق، ويصدق الكاذب، يخون الأمين، ويؤتمن الخائن، لا داعي إذا ذهب إنسان إلى بلاد الغرب ليبين للطرف الآخر حقيقة النبي عليه الصلاة والسلام، تقوم عليه الدنيا ولا تقعد، ما فعل؟ هو مجتهد، والمجتهد بين الأجر والأجرين، نحن مشكلتنا أنه لا يحب بعضنا بعضاً، وإن بأسنا بيننا، وهذا كلام مختصر مفيد: هذا الإسلام توقيفي من عند الله عز وجل، ومعنى توقيفي أنه لا يزاد عليه ولا يحذف منه، فالزيادة عليه تعني اتهامه بالنقصان، والحذف منه تعني اتهامه بالزيادة، الآن إن أضفنا عليه أصبحنا شيعاً وأحزاباً وفرقاً، وتخاصمنا، وتجادلنا، وتقاتلنا، وصار باسنا بيننا، وإن حذفنا منه ضعفنا وأصبحنا في مؤخرة الأمم، فهذا الدين لا يضاف عليه ولا يحذف منه، وكل ما يقال عن التجديد في الدين، وهي كلمة رائجة جداً اليوم، لماذا هي رائجة؟ لأنه ما يعقد من مؤتمرات لتجديد الخطاب الديني هدفها إلغاء الخطاب الديني، أو هدفها الالتفاف على الخطاب الديني، وتفريغه من مضمونه، ليغدو شكليات وقضايا لا يعنى بها أكثر المجتمع، لذلك احفظوا هذه الكلمة: التجديد لا يعني إلا شيئاً واحداً، أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، أصل الدين من عند الله، كماله مطلق توقيفي، كامل نوعاً تام عدداً، فالتجديد يعني أن تنزع عن الدين كل خرافة، وكل دجل، وكل بدعة ليست منه، هذا التجديد.
عندنا في دمشق بناء منطقة الحجاز، قبل سنوات جُدّد، ضُرب بالرمل، و أزيلت الطبقة السوداء المتراكمة عليه من عشرات السنين، فعاد للحجر نصاعته وجماله، هذا التجديد، لا أن تضيف غرفة؟ هذا ممنوع، لا أن تضيف طابقًا؟ هذا ممنوع، تحذف غرفة؟ وهذا ممنوع أيضا.
الدين توقيفي، وتجديده يعني أن أنزع عنه كل ما علق به مما ليس منه.
حقائق مستنبطة من بكاء الصِّدّيق في غار الثور:
إن الصديق بكى، وأريد أن أستنبط بعض الحقائق.
لك أخ في الله تحبه جداً؟ لك أخ في الله تعينه كثيراً؟ يؤلمك ما يؤلمه؟ يفرحك ما يفرحه، دققوا: علامة المنافق أنه يفرح بمصائب المؤمنين، وعلامة المنافق أنه يتألم لخير أصاب المؤمنين، الدليل:
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا)
[سورة آل عمران الآية:120]
لمجرد أن تفرح بمصيبة ألمت بالمؤمنين فأنت في خندق النفاق، ولمجرد أن تتألم لخير أصاب المؤمنين فأنت أيضاً في خندق النفاق، وهذا مقياس دقيق تمتحن به نفسك.
إخوانا الكرام، والله الذي لا إله إلا هو لا تكون مؤمناً حقاً إلا إذا فرحت لخير أصاب أخاك كما لو أنه أصابك أنت، وتتألم لمصيبة حلت بأخيك كأنها حلت بك، هذا هو الدين.
لقد بكى الصديق خوفاً على سلامة النبي صلى الله عليه وسلم، النبي الكريم قال عن الصديق:
ما ساءني قط فاعرفوا له ذلك
قال عن الصديق:
ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر
لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح
[أخرجه ابن عدي من حديث ابن عمر ؛ ورواه البيهقي]
وقد بكى الصديق خوفاً على سلامة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يرى أقدامهم عند فم الغار،
وقال:
يا نبي الله، لو أن أحدهم طأطأ بصره لرآنا
فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:
يَا أَبا بَكْرٍ، مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا؟
احفظوا هذه الكلمة: إذا كان الله معك فمن عليك؟ يخدمك عدوك، وإذا كان الله عليك فمن معك؟ يتطاول عليك ابنك، إذا كان الله معك يخدمك عدوك، وإذا تخلى عنك يتطاول عليك أقرب الناس إليك.
وفي رواية قد ذكرتها لكم من قبل
أن أبا بكر رضي الله عنه وقعت عيناه على بعض الكفار فقال للنبي صلى الله عليه وسلم:
لقد رأونا
فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى:
(وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)
[سورة الأعراف]
هل الإنسان مسَيَّر أم مخيَّر؟
إخواننا الكرام، هناك موضوع دقيق جداً يحير بعض المؤمنين، الموضوع ينطلق من قول النبي صلى الله عليه وسلم:
إِنّ القُلُوبَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الله يُقَلّبُهَا كَيْفَ يشاء
[رواه أبو عيسى عن النّوّاسِ بنِ سِمْعَانَ وأُمّ سَلَمَةَ وعبد الله وعَائِشَةَ وأبي ذر]
الإنسان مسير؟ لا هو مخير، معنى الحديث: أنك إذا واجهت عدواً فلا تخف منه، هو بيد الله، إذا أراد الله أن ينصرك عليه ألقى هيبتك في قلبه، وإذا أراد الله أن يؤدبك به نزع هيبتك من قلبه، قلبه بيد الله.
كن مع الله تر الله مـــعك***و اتـرك الكل وحاذر طمعك
و إذا أعطـاك من يمنــعه***ثم من يعطي إذا مـا منـعك
كيف ما شاء فكن في يــده***لك إن فرق أو إن جمــعك
في الورى إن شاء فظاً ذقته***وإذا شاء عليهم رفــــعك
أنت حينما تعلم أن كل من حولك، وكل من هم دونك، وكل من هم فوقك، وأن كل قوى الأرض، وأن أصحاب الأسلحة الفتاكة بيد الله عز وجل، وما كان الله ليسلمك إلى غيره، ثم يأمرك أن تعبده،
يقول الله عز وجل:
(وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ)
[سورة هود الآية: 123]
وما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه، هذه الثقة ترفع معنوياتنا، لأن المسلمين بفهم قاصر للأحداث التي ألمت بهم حصلوا حالة تشبه الإحباط،
قال الله عز وجل:
(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)
[سورة آل عمران]
لكن بشرط:
(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
[سورة آل عمران]
وقال الله عز وجل:
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)
[سورة آل عمران]
يصف الله جل جلاله هذا الحدث في الغار بقوله:
(ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)
[سورة التوبة الآية: 40]
أنواع معية الله:
بالمناسبة أيها الإخوة، أريد أن أبين لكم أن معية الله معيتان، معية عامة ومعية خاصة.
1. المعية العامة:
أي الله جل جلاله مع كل الخلق بعلمه، مع الكافر، مع الملحد مع القاتل، بعلمه.
(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)
[سورة الحديد الآية:4]
هذه معية عامة يشترك بها كل الخلق،
2. المعية الخاصة:
لكن الله حينما يقول:
(وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)
[سورة الأنفال]
(مَعَ الصَّادِقِينَ)
[سورة التوبة]
هذه معية خاصة، تعني معية التوفيق، معية التأييد، معية الحفظ، معية النصر لذلك إذا كان الله معك فمن عليك؟ المعية الخاصة لها ثمن، المعية العامة بلا ثمن، لأن الله مع كل مخلوق، أما الخاصة:
(وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً)
[سورة المائدة الآية 12]
هذا ثمن المعية، وهناك ظروف القلق والخوف والضغوط والتهديدات والمشكلات لا يعلمها إلا الله نحن في أمسّ الحاجة إلى أن نكون في معية الله عز وجل.
وقد أن أخفقت قريش في العثور عليهما، فأعلنت حينها عن مكافأة لمن يقتلهما أو يأسرهما.
الحكمة من وجود مؤمن وكافر:
إخواننا الكرام، مرة ذكرت وأعيد، وأكرر: كان من الممكن أن يكون الكفار في كوكب، والمؤمنون في كوكب، لا حروب، ولا نفاق، ولا كفر، ولا بدر، ولا أحد، ولا الخندق، ولا اجتياح، ولا احتلال، المؤمنون في كرة، والكفار في كرة، أو كان من الممكن أن يكون المؤمنون في قارة، والكفار في قارة، وكان من الممكن أن يكون المؤمنون في حقبة من ألف إلى ألف وخمسمئة، فقط، الخمسمئة إلى الألفين فيها مؤمنون، ولكن الله شاءت حكمته أن يكون المؤمنون مع غير المؤمنين في أماكن واحدة، إذاً هناك معركة بين الحق والباطل معركة أزلية أبدية، أقول هذه العبارة الحديثة: المؤمن الصادق يحترم قرار الله عز وجل، لقد أراد الله أن يجمعنا، وأراد الله أن تكون معركة بيننا، هي معركة الحق والباطل، لأن الإيمان لا يقوى إلا بالتحدي، ولأن المؤمنين لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية، وقد سمح الله لنا أن نضحي من أجل جنة عرضها السماوات والأرض، ولأن الكفار عباد الله، لعلهم يهتدون مع المؤمنين، فيجب أن تحترم قرار الله عز وجل، ومعركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية.
ترصد وتتبع الكفار لآثار النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
يقول أبو بكر رضي الله عنه
أُخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلاً
يعني شرعوا بالتعبير الحديث بالحاسة السادسة، مراقبة شديدة، فانطلقا ليلاً، وقد تحدث أبو بكر عن بداية رحلة الهجرة فقال:
أسرينا ليلتنا كلها، حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق فلا يمر أحد، حتى رُفعت لنا صخرة طويلة لها ظل، لن تأتي عليه الشمس بعد، فنزلنا عندها، فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكاناً ينام فيه النبي صلى الله عليه وسلم في ظلها،
وجد صخرة كبيرة لها ظل، فمهّد مكانًا لينام النبي عليه الصلاة والسلام،
ثم بسطت عليه فروة، ثم قلت:
نمّ يا رسول الله، وأنا أنفض ما حولك
فنام،
هذا هو الحب، وهذا أول ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة،
وذكر أبو بكر خبر قدوم راعٍ مقبل إلى الصخرة يريد منها شيئاً مثل الذي أرادوا، أن ينام في ظلها، وعرف أبو بكر منه أنه رجل من أهل مكة ، ورضي أن يحلب لهم من شاة له، وطلب منه أبو يكر أن ينظف لهم الضرع قبل الحلب من أجل النبي الكريم، وكره أن يوقظ النبي صلى الله عليه وسلم ليشرب، فانتظره حتى استيقظ، فشرب، ثم أمر بالرحيل.
إن هذه خدمة صادقة، خدمة محب،
وكان عليه الصلاة والسلام يردف أبا بكر معه على راحلته، وكان إذا سأل أحد أبا بكر عن رسول الله: مَن هذا؟ يقول: هذا رجل يهديني السبيل، وهذه تورية،
إذاً هو رجل يهديه السبيل، على سبيل التورية، ففهِم السائل أنه يدله على الطريق، وأراد الصديق أنه رجل يهديه السبيل إلى الله، لذلك ورد في بعض الأحاديث:
إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب
[أخرجه ابن عدي في الكامل والبيهقي في السنن عن عمران بن حصين]
هو ما كذب، لكن ورّى، وإذا استخدم للغش يسمى في الفقه تدليسا وهو مذموم، أن توهم السامع بشيء، وتقصد شيئا آخر.
قال له: هو رجل يهديني السبيل، فيحسبه السائل دليلاً لطريقه، وهو يكني عن السبيل بسبيل الخير والهدى والصلاح.
الآن الذي بقي علينا، والحقيقة أنّ هذه القصة قصة سراقة ترفع معنوياتنا جميعاً، لأن سراقة طمع بمئتي ناقة، وأراد قتل النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه شعر أن هذا الإنسان ممنوع منه، قال له:
يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟
إن مثل هذا مثلُ رجلٍ ملاحق، وعليه مذكرة بحث، ومتهم بأنه من منظمة إرهابية، ولو اعتقل لقتل، قال له أحدهم: كيف بك إذا سكنت البيت الأبيض؟ هذا كلام غير معقول إطلاقاً.
يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟
ثم لبس سواري كسرى حقيقة في عهد سيدنا عمر لما فُتحت بلاد فارس.
لما لا نقرأ السيرة النبويه قراءه مرتبطه بواقعنا؟
إخواننا الكرام، في لقاء قادم إن شاء الله نتابع فقرات السيرة النبوية، ولكن أتمنى عليكم أن تنقلب هذه الاستنباطات، وتلك الدروس والعبر من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام إلى منهج لنا.
مرة ثانية: السنة النبوية هي أقواله، وهي أفعاله، وهي إقراره، وهي صفاته ، وأبلغ شيء في السنة أفعاله، لأنها حدية الاستنباط، حدية لا تحتمل التأويل، لكن الكلام يحتمل التأويل، أما السلوك فلا يحتمل التأويل، فهي أصدق في التعبير عن فهمه للقرآن الكريم من فقرات سنته الأخرى، والسيرة قصة مشوقة،
نحن في حاجة أن نقرأ السيرة قراءة جديدة، قراءة مرتبطة بواقعنا، مرتبطة بحاجاتنا، مرتبطة بمشكلاتنا، مرتبطة بطموحاتنا، مرتبطة بآمالنا فالسيرة النبوية منهج، وكنت أقول دائماً:
لو لم يكن في الإسلام كتاب وسنة لكانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحدها كتاباً وسنة
والحمد الله رب العالمين
منقول عن: السيرة – فقه السيرة النبوية – الدرس (31-57) : الهجرة -6- أهمية قصة الهجرة للمسلم
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
فيديو قصة غار ثور
0 تعليق على موضوع " قصة غار ثور"
الإبتساماتإخفاء